13الاّ انَّ الخليل ( عليه السلام) العارف بقدرات الله غير المتناهية، قال معَ ذلك: ربنا اني اسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع وقد أوكل الامر اليه - سبحانه - في ان يفعل ما يشاء.
لقد تضمن هذا المقطع من الدعاء بيان المقاصد التالية:
1- انَّ القصد الأساس هو ان يقيموا الصلاة ربنا ليقيموا الصلاة وإن كان ثمة مقاصد اخري في السياق.
2- طلب ( عليه السلام) ان يعطف قلوب وعقول شطر من الناس إليهم.
3- ثم اراد من ربّه ان يشملهم من الثمرات رزقاً لعلّهم يشكرون 13.
لقد تكرَّرت مضامين هذا الدعاء الابراهيمي في سورة البقرة، حيث قال ( عليه السلام) فيما يحكيه القرآن علي لسانه: ربّ اجعل هذا بلداً آمنا ً15.
فانبثقت بعد فترة عين زمزم ببركة هذا الدعاء وباستغاثة هاجر ( عليها السلام) وبصرخات اسماعيل ( عليه السلام) وبكائه. وهو طفل صغير.
ولما انبثق الماء حلت الطيور حوله، واخذت القوافل تحط رحالها عنده، فتحولت مكة الي (( بلد)) واجيبت الدعوة.
حينما جاء ابراهيم الخليل ( عليه السلام) ورأي الوادي قد تحوَّل الي بلد، اعادَ ( عليه السلام) دعاءه مع تغيير السياق: واذ قال ابراهيم ربّ اجعل هذا البلد آمناً16 فقد دخلت هنا (الالف واللام) علي كلمة بلد بينما بقي طلب الأمن ثابتاً لكلا الحالتين.
لقد حقق سبحانه لابراهيم دعوته وحلَّ الامن في مكة، حتي تميَّزت عما حولها من البلاد، اذ يقول تعالي: أو لم يروا انا جعلنا حرماً آمناً ويتخطّف الناس من حولهم افبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون17.
انَّ استعمال يتخطّف ينطوي علي دلالة عميقة في رسوخ الامن، فالخطفة تعني انقضاض الصقر علي فريسته في حال غفلتها، ومكة في امان من ذلك.
لقد استجيبت دعوة ابراهيم واضحي لحرم آمناً، حتي علي صعيد الحكم الفقهي، ذلك انَّومن دخله كان آمنا ً18.
انَّ جملة عند بيتك المحرّم تدل دلالة واضحة علي انَّ للبيت وجوداً قبل ابراهيم (عليه السلام) . وانما غاية ما هناك انه تعرض لحوادث طبيعية وغير طبيعية، جعلت البيت عرضة للهدام والخراب. حصل ذلك قبل ابراهيم وبعده أيضاً، حيث تهدمت الكعبة اثر السيول، وفي عصر الاسلام قام الحَجاج برميها بالمنجنيق من علي جبل ابي قبيس.
لذا فانّ الصخور السوداء التي تعلو جدران الكعبة الآن، هي ليست نفس الصخور التي كانت عليها قبل عدة قرون.
والذي يظهر انَّ الكعبة كانت في صدر البعثة النبوية، لا يتجاوز ارتفاعها ضعف طول الانسان المتوسط. نستفيد ذلك من واقعة ارتقاء الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) علي كتفي رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) ، حيث رمي الاصنام وقذف بها نحو الارض اثناء فتح مكة.
اما الجانب المعنوي في هذه الواقعة فله حسابه الآخر، حيث عبَّر الامام علي (عليه السلام) : انَّهُ حين كان علي كتف رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) لو رام ان ينال الثُريا لنالها.
ما نستفيده من هذا العرض انَّ الكعبة كانت عرضة للهدام والتخريب اكثر من مرَّة. وفي هذا السياق جاء الخطاب الي ابراهيم الخليل: واذ بوَّأنا لابراهيم مكان البيت حيث تكفل سبحانه بيان المكان ووضع التصميم الهندسي