121اتسعت تجارات اليهود في خيبر وغيرها حتي استطاع الرجل الواحد منهم كأبي رافع الخيبري أن يسيّر قوافل تجارية لحسابه إلي الشام. وهم الذين نشروا في الجزيرة التعامل بالربا وأثروا ضخماً. وكلما مرت عيرلقريش أو لطيمة من لطائم النعمان قامت لها سوق في خيبر. وقد جعل المرزوقي زمنها بعد زمن سوق ذي المجاز، أي بعد أشهر الحج وقبل أن تبتدئ سوق حجر.
التقييم الاقتصادي لمكة والمدينة:
كان المسلمون يجهزون العير إلي الشام - كما في الجاهلية - فتذهب بأموالهم ومتاعهم فتباع هناك ثم تحمل إلي الحجاز فتأتي المدينة، وكانوا يستقبلونها بالطبل والتصفيق فرحاً بها، فذكر المفسرون أن دحية بن خليفة الكلبي رجع مرة بتجارة زيت وطعام من الشام والنبي (صلّي الله عليه وآله وسلم) يخطب يوم الجمعة علي منبر مسجد المدينة فاستقبلها الناس كعادتهم بالفرح والطبول والتصفيق، وخشي المصلون أن يسبقوا إلي العير فيفوتهم الربح فتركوا الرسول يخطب وبادروا إليها في البقيع ولم يبق مع الرسول إلاّ إثنا عشر رجلاً فأنزل الله تعالي في ذلك:
وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً (26) .
وفي القرآن الكريم إشارة إلي فاصل تاريخي في حياة مكة التجارية، وذلك حين نزل قول الله تعالي: يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا، وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم (27) .
فلما حرم دخول مكة علي المشركين سنة تسع للهجرة خشي الناس الفقر بسبب انقطاع تجارة المشركين عنهم في المواسم، فوعدهم الله بغني عن غير طريق التجارة، فكان العوض - علي ما ذكر المفسرون - في المغانم والفتوح العاجلة.
وكان لا بد من أن تدخل أحوال العرب التجارية ولاسيما في مكة والمدينة في طور جديد، فاهتم الاسلام بأمر تجارتها وشرع لهم فيها ما يحتاجون إليه، وطفح الحديث الشريف بأحكام البيع والشراء والاحتكار والديون والربا. . . . إلي آخره. . . وعني الخلفاء بعد الرسول عناية خاصة بالتجارة بعد أن هدأت مشاغل الفتوح أيام أبي بكر وعمر وعثمان، ولنلاحظ أن الفتوح نفسها لم تكن لتخلوا من الاتجار حتي عمال الخليفة أنفسهم، وهذا خير ما يفسر لنا حرص القوم علي حرفتهم ومن حسن الاتفاق أن الخلفاء الثلاثة الأولين كانوا تجاراً، فأبوا بكر وعثمان كانا بزازين، وعمر تجر في الجاهلية استغني في غزة، وكان مُبرطشاً (يكتري للناس الإِبل والحمير ويأخذ عليه جُعلاً) (28) .