119وهي في غائط من الأرض طوله خمسة فراسخ وفيها حصن "مارد" المشهور وإلي غربها عين تثج فتسقي ما به من النخيل والزرع، وكانت خربة وروي ابن سعد نقلاً عن بعض أهل الحيرة في سبب بنائها:
" أن أكيدر صاحبها واخوته كانوا ينزلون دومة الحيرة، وكانوا يزورون اخوالهم من كلب فيتغربون عندهم، فإنهم لمعهم وقد خرجوا للصيد إذ رفعت لهم مدينة متهدّمة لم يبق إلا بعض حيطانها وكانت مبنية بالجندل، فأعادوا بناءها وغرسوا فيها الزيتون وغيره وسمّوها دومة الجندل تفرقةً بينها وبين دومة الحيرة" (21) .
وقال ياقوت "كان فيها قديماً حصن مارد، وسميت دومة الجندل لأن حصنها مبني بالجندل وقريب منها جبلاطيء وكانت بهذا الحصن بنو كنانة من كلب".
وكان أُكَيدر يبعث بمن يتعرض قوافل التجارة الذاهبة بين المدينة والشام ويظلم من يمرّ بهم من الضافطة (الذين يجلبون الميرة والطعام) ثم قوي شرهم حتي شاع أن في عزمهم الدنو من المدينة وكان ذلك في السنة الخامسة للهجرة، فندب رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلم) الناس، واستخلف علي المدينة، وخرج في ألف من المسلمين يسير الليل ويمكن النهار ومعه دليل من بني عذرة حتي بلغوا الجندل، فتفرقوا وألقي الرعب في قلوبهم، وأخذ من نعمهم وشاتهم ورجع ولم يلق كيداً.
والظاهر أن شرهم لم ينقطع عن تجار المدينة حتي اضطر الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلم) أن يرسل إليهم سرية عليها عبد الرحمن بن عوف، وأوصاه حين دفع إليه اللواء بقوله: "خذه (22) ، يابن عوف فاغزوا جميعاً في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله، لا تغلّوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً، فهذا عهد الله وسيرة نبيه فيكم. . . " وقال له: "إن استجابوا لك فتزوج بنت ملكهم ".
سار عبد الرحمن حتي بلغ دومة الجندل فدعا أهلها إلي الإِسلام فأسلم رئيسهم الأصبغ بن عمرو الكلبي وأسلم معه ناس كثير من قومه وتزويج عبد الرحمن ابنته (تماضر) وبقي علي الجزية هو ومن معه.
تنزل قبائل العرب في الجاهلية هذه السوق في أول يوم من ربيع الأول للبيع والشراء وكان بيعهم فيها بيع الحصاة.
ويجاور هذه السوق من قبائل العرب قبيلتا كلب وجديلة طيء.
وكانت كلب اكثر العرب قناً فكانوا يفتحون في هذه السوق حوانيت من شعر يجعلون فيها عبيدهم وإماءَهم. وكانوا - علي عادة بعض العرب يكرهون فيها فتياتهم علي البغاء ويأخذون لانفسهم كسب أولئك البغايا من إمائهم.
فلما كان الإِسلام وحرّم الله هذه العادة القبيحة بقوله تعالي: