111
أسواق مكّة والمدينة
تأليف: عباس المهاجر
المقدمة:
لبلاد العرب موقع جغرافي متوسط بين بلاد أعظم الدول، وأقدم الحضارات، فالي شمالها الشرقي بلاد فارس وإلي شمالها الغربي بلاد الروم ومصر وإلي غربها الجنوبي وراء البحر بلاد الحبشة وفي جنوبها البحر الهندي الذي يفصلها عن بلاد الهند.
ولا نكون مغالين إذا قلنا أن معظم تجارات العالم منذ القديم حتي القرون الوسطي هي بين هذه البلاد التي عددنا. فالدولتان العظيمتان اللتان تنازعتا علي السيادة في العالم، وهما دولتا فارس والروم، كانتا علي علاقات تجارية وسياسية حسنة مع بلاد العرب في الشمال والجنوب. واقل من تلك العلاقات علاقة الحبشة والهند باليمن وعمان والبحرين.
وكان للموصلات التجارية في جزيرة العرب طريقان احدهما شرقي يصل عمان بالعراق وينقل بضائع اليمن والهند وفارس برّاً ثم يجوز غرب العراق إلي البادية حتي ينتهي به المطاف في اسواق الشام. والطريق الثاني وهو الأهم - غربي - يصل اليمن بالشام مجتازاً بلاد الحجاز، ناقلاً أيضاً، بضائع اليمن والحبشة والهند إلي الشام، وبضائع الشام إلي اليمن حيث تصدّر إلي الحبشة وإلي لهند في البحر. فكان من المعقول أن يمارس كثير من العرب التجارة رجالاً ونساءً وخاصة الذين تقع بلادهم قريبة من أحد هذين الطريقين، ومن لم يتاجر منهم أفاد من التجارة بالواسطة، فعمل في هذه القوافل إما سائقاً وإما منتظماً في جملة حماتها الذين يؤجرون أنفسهم وسلاحهم ودوابهم فيها.
قد شغلت دول العرب القديمة كتدمر وسبأ والمعينين، المراكز الممتازة في تجارة الشرق حتي ذكرتهم التوراة ووصفت ثروتهم وتجارتهم. وحمل أهل تدمر في القديم إلي مصر وجنوب أوربا صادرات بلاد العرب والعراق والهند، وكانت النفائس التي يحملها التدمريون من بلاد الشرق أثمن ما يتغالي به الملوك القياصرة.
وفوق هذا كله، كان لهؤلاء العرب ذوي الملكة التجارية الراقية اهتمام بما حولهم من الأقطار التي يتاجرون فيها وإليها ومراقبة لما يجري هناك من أحداث وقد دفعتهم إلي ذلك طبيعة التجارة وما تتطلب من درس وإلمام بالأسواق وأمنها واحوال المسيطرين علي شعوبها، وأنت تعرف ذلك من الحرب، التي كانت بين الفرس والروم في مشارف الشام، قبل الهجرة بست سنين وكيف كان مشركو مكة فرحين بانتصار الفرس إذا كانوا مثلهم غير ذوي كتاب، وقد شمتوا بهزيمة الروم اذ كانوا كالمسلمين أتباع كتاب سماوي، وقد سجّل القرآن الكريم هذه الظاهرة، ظاهرة اهتمام المكيين بما يجري حولهم من شؤون الفرس والروم في الآية الكريمة: