94لأن جهة المحاذاة مع البعد متسعة، وهذه الأحاديث وما دلّ على أن ما بين المشرق والمغرب قبلة، وما دلّ على استقبال المسجد الحرام من الآية والرواية وغير ذلك كلّه إشارة الى اتساع جهة المحاذاة، وتسهيل الأمر ودفع الوسواس، ويؤيده الاكتفاء شرعاً لأهل إقليم عظيم بعلامة واحدة 1. .
هذا في الروايات، وأما فى أقوال الفقهاء الآخرين فقد قال صاحب الجواهر: . . بأنّ القبلة «هي الكعبة لمن كان في المسجد، والمسجد لمن كان في الحرم، والحرم لمن هو خارج عنه» وإن قال المصنف (صاحب الشرائع) إنه كذلك «على الأظهر» وفاقاً للمبسوط والخلاف والمصباح والجمل والعقود والمحكي عن الإصباح والمهذب والمراسم، بل في المسالك نسبته الى كثير، بل في الذكرى والروضة الى الأكثر، بل في المحكي عن مجمع البيان نسبته الى أصحابنا، بل في الخلاف الإجماع عليه، وربما حكي عن المفيد وأبي المكارم أيضاً، لكن ما وصل إلينا من مقنعة الأول: «القبلة هي الكعبة ثم المسجد قبلة من نأى عنها؛ لأن التوجه اليه توجه إليها. ثم قال بعد أسطر: ومَن كان نائياً عنها خارجاً عن المسجد الحرام توجّه إليها بالتوجه إليه» . ومن غنية الثاني: «القبلة هي الكعبة، فمن كان مشاهداً لها وجب عليه التوجّه إليها، ومن شاهد المسجد الحرام ولم يشاهد الكعبة وجب عليه التوجّه إليه، ومن لم يشاهده توجه نحوه بلا خلاف» . يقول الشيخ في الجواهر عندما يصل الى هذه النقطة: (وهذا) لا يطابق الحكاية، إذ لم يذكر في شيء منهما الحرم، بل هما الى القول: بأن الكعبة القبلة عيناً أو جهة أقرب من ذلك قطعاً. .
أقول: يبدو أن صاحب الجواهر لم يصل إليه ما كتبه المفيد في باب القبلة كاملاً، حيث يقول فيه بعد ذلك. . وجعل اللّٰه تعالى لمن غابت عنه أو غاب عنها التوجّه الى أركانها بحسب اختلافهم في الجهات من الأماكن والاصقاع: فجعل الركن الغربي لأهل المغرب، والركن العراقي لأهل العراق وأهل المشرق، والركن اليماني لأهل اليمن، والركن الشامي لأهل الشام، وتوجه الجميع إنما هو من هذه