196والعبّاسي هذا كان عالماً يحمل في حقائبه أدوات للرصد والمساحة، فاستخدمها في مكة وجوارها، دون أن يعترضه أحد من الناس، بل كان يحترمه الجميع، وقد حاز - كما مرّ - فوق ذلك شرفاً لم يحرزه سواه من المستشرقين، ولا يحوزه إلّاالأفراد القلائل من المسلمين، ألا وهو شرف كناسة الكعبة. ولكنّه على ما يظهر لم يفلح حتّى النهاية في تنكّره (32) .
إذ غادر علي بك مكّة المكرّمة في الثاني من آذار (مارس) 1807م إلى جدّة، وعندما قصد إلى المدينة المنوّرة زائراً صدّه عنها الوهابيون (33) وأُلقي عليه القبض عند محاولته الدخول إلى المدينة، وأوقف واُتلفت بعض مقتنياته ومجموعاته، وبعدها أُجبر على الرجوع من حيث أتىٰ. وهكذا عندما شعر علي بك بهذا الخذلان بدأ في الاستعداد للرحيل إلى أوروپا (34) .
فتوجّه إلى ينبع ثم عاد إلى القاهرة، لكنّه لم يبق هناك فترة طويلة، بل قرّر العودة إلى أوروپا مروراً بفلسطين وسوريا وتركيا. ولأنّه حمل لقب الحج، تمكّن علي بك من زيارة المسجد الأقصىٰ، الذي لم يكن دخله غربي واحد، منذ الحروب الصليبية. وهنا أيضاً أعطى وصفاً دقيقاً وخرائط تفصيلية. وبعد القدس زار دمشق ثم اسطنبول، ووصل إلى رومانيا، حيث ينهي سرده العام 1807، بالطريقة المبتورة ذاتها التي بدأ بها.
عند عودته إلى فرنسا، استقبله «نابليون» مرّات عدّة، ثم دخل في خدمة أخيه «جوزيف بونابرت» الذي كان وقتها ملك أسبانيا، وبعد فترة انتقل للعيش في پاريس، حيث عُرف باسم «الجنرال باديا» وفي تلك المرحلة وضع كتابه الذي أهداه إلى الملك لويس الثامن عشر.
في العام 1818 م، قرّر الرجوع إلى الشرق الأوسط، على أمل الوصول إلى تمبكتو برفقة قوافل الحجاج الأفارقة العائدة من مكّة المكرّمة (35) وعلى ما يبدو كان تحرّكه الأخير مرصوداً من قبل عيون بريطانيا المبثوثين في المنطقة، على خلفيّة