183أمّا الآخرون فلم يكونوا سوى روّاد مصادفة. ومنذ القرن الثامن عشر بدأ في تاريخ الريادة إلى شبه جزيرة العرب ما يمكن أن يسمّىٰ بالريادة الحقيقية، التي دشّنها شيخ الرحالة «نيبور» ] 1733 - 1815م [ في رحلته الاستكشافية المثيرة، التي بدأها وأربعة زملاء آخرين عام 1761م، بناءً على تكليف خاص من فردريك الخامس ملك الدنمارك، وقد لقيت هذه الحملة مصادفات عجيبة انتهت بمعظم شخوصها إلى الهلاك. وكان من ثمار هذه الرحلة ترك مذكّرات مهمّة، عن عموم بلاد الجزيرة العربية والعراق، ورسم خريطة كاملة لليمن (2) .
وما يعنينا من رحلة «نيبور» هو؛ أنّه أبحر مع رجاله الأربعة ومعهم خادمهم السويدي جنوباً في البحر الأحمر إلى جدّة، حيث استأجروا بيتاً، وانتظروا هبوب رياح مواتية؛ لاستئناف سفرهم إلى أماكن أبعد. وقد انتظروا حوالى ستّة أسابيع، قبل استئناف المسيرة في سفينة مفتوحة. . وفي هذه المرّة لم يرافقوا جموع الحجّاج، الذين رافقوهم عند مغادرة السويس، والذين كانوا قد وصلوا مكّة وأدّوا فريضة الحج ثم عادوا. . (3) .
ولأسباب نجهلها، لم يتغلغل «نيبور» إلى الأماكن المقدّسة، في الوقت الذي ذهب بعيداً في مغامرته الجريئة، حينما جاب بقاعاً كانت عصيّة، حتّى ذلك الوقت وإلى وقت لاحق، على أمثاله. الأمر الذي أكسبه شهرة واسعة، وعدّه المؤرّخون علامة فارقة، في تاريخ رحلات الاستكشافات الغربية إلى الجزيرة العربية.
على أنّ ثمّة جهوداً متواضعة سبقته للتعرّف على المناطق الساحلية، وخاصّة في مطلع القرن السابع عشر. وقد كانت شركة الهند الشرقية معنيّة بجمع المعلومات عن موانئ البحر الأحمر وأهميتها، فكلّفت عدداً من رجالها بذلك. وكان من جملتهم «القس جوزيف اُوفينكتون» الذي كتب في وصف جدّة وأهميتها، فنشر الوصف في كتابه المسمىٰ «رحلة إلى صوراة» [A VoYage to Suratt] .
وهو يقول: إنّ الميناء الرئيسي في البحر الأحمر يعود للسلطان. . وهو ميناء