184مكّة. وليست الأراضي المحيطة بهذين البلدين ذات فائدة مطلقاً، كما أنّها غير قابلة للاصلاح والتحسين، بحيث إنّها قد اُصيبت بلعنة من الطبيعة، فحُرمت من نِعَم اللّٰه تعالى بندرة وجود الأشياء كلّها فيها، ما لم تستورد لها من الخارج. . وتزدهر جدّة بمواصلاتها الدائمة مع الهند وايران والحبشة، وأجزاء الجزيرة العربية الاُخرىٰ، فيأتي العرب إليها ببُنهم (قهوتهم) ليشتريه الأتراك ويحملوه إلى السويس، ويأتي إليها على الشاكلة نفسها الحجّاج في كلّ سنة من أنحاء العالم الإسلامي جميعه.
وفي عهد الشريف سعيد (1700م) وصل إلى جدّة رجل انگليزي يُدعى «ويليام دانيال» ، وآخر فرنسي يُدعى «شارل جاك بوسيه» . فخلّفا وصفاً واضحاً عمّا شاهداه. فقد كان الأوّل شاهد عيان للخصام، الذي حصل بين الشريف الأكبر سعيد، والباشا الذي كان يمثِّل السلطان في الحجاز.
أمّا الفرنسي فقد وصل إلى جدّة، في اليوم الخامس، من كانون الأوّل (ديسمبر) أي بعد الحادث المار ذكره بأيّام قليلة (4) .
وأيّاً كانت قيمة المشاهدات والانطباعات، التي تركها هؤلاء وغيرهم، فإنّ الرحالة الدانماركي «ينبور» قد ترك بصماته الواضحة في تاريخ الرحلات الغربية، طيلة عقود طويلة. لقد تزامنت شهرة ينبور وذيوع صيته في الدوائر المعنيّة بالشرق مع تنامي حركة التنوير الفلسفية في القرن الثامن عشر.
وقبل أن يؤذن هذا القرن بالرحيل، كان هناك حدثان خطيران في المشرق الإسلامي، أثارا الانتباه لدى البعض والمخاوف - إلى حدّ الذعر - عند البعض الآخر، وهما؛ غزو نابليون لمصر عام 1798م، والذي كان إيذاناً ببدء مرحلة الاختراق الحضاري للمشرق الإسلامي، من قبل دوائر الغرب وطلائعه الاستعمارية.
الحدث الثاني تمثّل بتصاعد قوّة الوهابيين في قلب الجزيرة العربيّة، وتحرّك محمّد علي باشا لضرب القوّة الجديدة. وهنا وجد الغرب فرصته الذهبية لتكثيف