125ذلك الموضع الذي يُحرم فيه الحجيج. ويُحكىٰ أنه في إحدى السنين نزل بها حجاج كثيرون، وفجأة غمرهم سيلٌ عرم آبادهم عن آخرهم، ولهذا السبب سُمّي ب (الجُحفة) . إن بين مكّة المكرّمة والمدينة مائة فرسخ، وهو طريق حجري، وقد قطعناه في ثمانية أيام.
مكّة:
وصلنا مكة، يوم الأحد، السادس من ذي الحجة، ونزلنا بباب الصفا، وكان عام قحطٍ علىٰ مكّة، حيث بلغ سعر كلّ أربعة أرغفة من الخبز ديناراً نيشابورياً واحداً، وكان المقيمون بمكّة يرحلون عنها، ولم يرد أي حاج من أي جهة. وقد أدّينا مراسم الحج علىٰ عرفات يوم الأربعاء، بفضلٍ من الباري - سبحانه وتعالىٰ - ثم أقمنا بمكّة يومين، وكان خلقٌ كثيرٌ يهرب من الحجاز، ويهيم بوجهه في كلّ صوب بسبب الجوع وقلّة الحيلة. ولن آتي علىٰ شرح الحج ووصف مكّة في هذه المرة، بل أدع ذلك إلى المرّة القادمة عندما أصل إليها. حيث المرّة القادمة جاورتها ستة أشهر وما رأته عيناي كتبته يداي.
رحلة الحجّ الثالثة:
ومرّة اُخرىٰ في رجب سنة أربعين وأربعمائة هجرية، تُلي حُكم السلطان على الخلق وقد جاء فيه: «ضرب القحط الحجاز، ولا نرىٰ صلاحاً في سفر الحجيج، فهم معذورون، وعليهم بأداء ما أمرهم اللّٰه تعالىٰ به» .
وفي ذلك العام أيضاً لم يسافر الحجاج. وقد بعث السلطان بهداياه السنوية المتكونة من حُلّة الكعبة، والخدم والحاشية لأمراء مكّة والمدينة، وصلة أمير مكّة وراتبه الشهري حيث كان ثلاثة آلاف دينار شهرياً وحصاناً وخِلعة، بعث كلّ ذلك ولكن علىٰ دفعتين، ولم يكن قد أخّرها عن قصور أو احتباس.
في هذا العام، كان هناك شخص يُدعى القاضي عبداللّٰه، كان يقضي في الشام، وقد أسندوا إليه حمل تلك الهدايا، وقد رافقته إلىٰ طريق القلزم، ووصلت السفينة