123المقدس، وانطلقنا من بيت المقدس مع مجموعة كانت عازمة على السفر إلى الحجاز مشياً على الأقدام. لقد كان دليلُنا رجلاً جَلداً، مترجّلاً وطَلِق الوجه. وكان يسمىٰ «أبو بكر الهمداني» . وتركتُ بيت المقدس في النصف من ذي القعدة سنة 438ه، وبعد ثلاثة أيام، وصلنا الىٰ منطقة يُقال لها (ارعز) وكانت تحتوي علىٰ جداول ماءٍ وأشجار. ووصلنا إلىٰ منزل آخر يُدعى (وادي القرىٰ) ومن هناك انطلقنا الىٰ منزل آخر، حيث وصلنا بعد عشرة أيام الىٰ مكّة المكرّمة. وفي ذلك العام، لم تكن قد وصلت قافلة من أي مكان، وكان يصعب الحصول على الطعام، وبعد ذلك نزلنا في سكّة العطارين أمام باب النبيِّ عليه السلام.
ويوم الاثنين كنّا علىٰ عرفات. وكان الناس يهابون العرب كثيراً، وعند العودة من عرفات، مكثتُ في مكّة يومين، وسلكتُ طريق الشام عائداً الىٰ بيت المقدس. ووصلنا إلى القدس في الخامس من شهر محرّم سنة تسع وثلاثين وأربعمائة هلالية.
لم آت هنا علىٰ شرح مكّة المكرّمة والحج، حتىٰ أصل إلى بيان رحلة الحج الرابعة واستفيض بالشرح.
بعد بيت المقدس، عزمت علىٰ ركوب البحر، متوجّهاً إلىٰ مصر، ومن ثمّ من هناك إلىٰ مكّة المكرّمة.
رحلة الحجّ الثانية:
في سنة تسع وثلاثين وأربعمائة هجرية تُليَ حُكم السلطان على الناس من أنّ أمير المؤمنين يقول: «لاصلاح من سفر الحجاج إلى الحجاز هذا العام؛ لأن القحط والجوع قد ضرب تلك البلاد، وأنّ خلقاً كثيراً قضوا نحبهم، وإنّي لأقول هذا من باب الشفقة الإسلامية» . وانصرف الحجاج عن عزمهم. وعلىٰ ما هو معهود، فإن السلطان كان يبعث بحلّة الكعبة - كل عام مرتين - ولمّا كانت النية هذا العام في إرسالها عن طريق بحر القُلزم، فقد رافقتهم في ذلك.