9نأتي بمثال:
إنّ الإنسان إذا وقف على أنّ في الأسلاك الكهربائية طاقة من شأنها قتل الإنسان إذا مسّها من دون حاجز أو عائق بحيث يكون المسّ والموت مقترنين، أحجمت نفسه عن مسّ تلك الأسلاك والاقتراب منها دون عائق.
أو أنَّ الطبيب العارف بعواقب الأمراض وآثار الجراثيم، إذا وقف على ماء اغتسل فيه مصاب بالجذام أو البرص أو السل، لم يقدم على شربه والاغتسال منه ومباشرته مهما اشتدت حاجته إلى ذلك؛ لعلمه بما يَجُرُّ عليه الشرب والاغتسال بذلك الماء الموبوء، فإذا وقف الإنسان الكامل على ما وراء هذه النشأة من نتائج الأعمال وعواقب الأفعال ورأى بالعيون البرزخية تبدّل الكنوز المكتنزة من الذهب والفضة إلى النار المحماة التي تُكوى بها جباه الكانزين وجنوبهم وظهورهم، امتنع عن حبس الأموال، والإحجام عن إنفاقها في سبيل الله.
قال سبحانه: ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذاب أَلِيم يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) . 1
إنّ ظاهر قوله سبحانه: ( هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ) هو أنّ النار التي تُكوى بها جباه الكانزين وجنوبهم وظهورهم، ليست إلاّ نفس الذهب والفضة، لكن بوجودهما الأُخرويّين، وأنّ للذهب والفضة وجودين أو ظهورين في النشأتين، فهذه الأجسام الفلزية، تتجلّى في النشأة الدنيوية في صورة الذهب والفضة، وفي النشأة الأُخروية في صورة النيران المحماة.
فالإنسان العادي اللامس لهذه الفلزات المكنوزة، وإن كان لا يحسّ فيها الحرارة، ولا يرى فيها النار ولا لهيبها، إلاّ أنّ ذلك لأجل أنّه يفقد حين المس،