288استغنائها عن القبول و إلا لزم عدم نفوذ الفعل من قبل العقد إذ مقتضى كونه قبولا للعقد توقف حصوله و ترتبه عليه، فلا يجوز نفوذ الفعل من قلة ضرورة أن المحقق للشيء لا يعقل أن يتحقق منه، فظهر لك أن توهم عدم الاكتفاء لعمل العامل بعد إيجاب المالك و اعتبار التواصل بين الإيجاب و القبول في القراض و المضاربة في غير محله لما عرفت من أنه ليس من قبيل العقود التحقيقية.
هذه جملة مما يتعلق ببيان حقيقتها.
فلنذكر ما يتضح به مفهوما اللفظين و وجه انطباقهما عليها.
ففي المسالك: " هي مفاعلة من الضرب في الأرض لأن العامل يضرب فيها للسعي على التجارة و ابتغاء الربح بطلب صاحب المال فكان الضرب مسبب عنهما طردا لباب المفاعلة في طرفي الفاعل و من ضرب كل منهما في الربح بسهم أو لما فيه من الضرب بالمال و تقليبه و يقال للعامل: مضارب بكسر الراء لأنه الذي يضرب به في الأرض و يقلبه و لم يشتق أهل اللغة لرب المال من المضارب اسما، و هذه لغة أهل العراق، و أما أهل الحجاز فيسمونه قراضا إما من القرض و هو القطع و منه المقراض لأنه يقرض به فكأن صاحب المال اقتطع له من ماله قطعة و سلمها للعامل أو اقتطع له قطعة من الربح، أو من المقارضة و هي المساواة و الموازنة يقال" تقارض الشاعران" إذا وازن كل منهما الآخر بشعره، و منه: " قارض الناس ما قارضوك فإن تركتهم لم يتركوك" يريد ساوهم فيما يقولون، و وجهه أن المال هنا من جهة مالكه و العمل من جهة العامل فقد تساويا في قوام العقد بهما أو لاشتراكهما في الربح، و تساويهما في أصل استحقاقه و إن اختلفا في كميته و يقال: منه للمالك مقارض بالكسر و للعامل مقارض بالفتح" انتهى.
و التحقيق: أن القرض له مفهوم واحد مطرد في جميع موارد استعماله و هو القطع و الفصل و تقارض الشاعرين عبارة عن قرض كل منهما الكلام مثل ما يقرضه الآخر فإن نظم الكلام و صوغه على الوجه الموزون ليس إلا بفصل بعضه عن بعض، و لذا سمي الشعر قريضا فمفاده في المقام ليس إلا القطع و الفصل المستفاد