287العقد التحقيقي، فالأمور الجائزة بالذات خارجة عن سلسلة العقود التحقيقية منتظمة في سلسلة أخرى.
فإن قلت: مقتضى تحقق القراض و الجعالة بإيجاب المالك و عدم توقفهما على قبول العامل الحكم باستحقاق العامل الجعل في الجعالة و حصة من الربح في القراض و لو قصد التبرع بعمله، لأن المقتضي لاستحقاق العامل حينئذ هو إيجاب المالك و قد حصل و مانعية قصد التبرع غير معلومة كما أفاده المحقق جمال الدين (قدس سره) في حاشيته على الروضة البهية في باب الجعالة.
قلت: إيجاب المالك إنما يقتضي استحقاق العامل الجعل أو حصة من الربح إن عمل بقصد الاستحقاق أو ما لم يقصد التبرع لا أنه يقتضي استحقاقه مطلقا حتى نشك في أن قصد التبرع مانع أم لا، ضرورة أنه كما تقتضي سلطنة المالك على نفسه و جهاته نفوذ ما اختاره و أوجبه فكذلك تقتضي سلطنة العامل على نفسه و جهاته نفوذ ما اختاره من قصد التبرع أو الاستحقاق، فكما يكون للشخص أن يبيح ماله لغيره أو يملكه إياه بعوض أو مجانا فكذلك له أن يبذل عمله لغير تبرعا أو بعوض أو على وجه استحقاق حصة من الربح، فإيجاب المالك إنما يقتضي استحقاق العامل لو أراد لا استحقاقه مطلقا و لو قصد التبرع و إلا لزم سلطنة المالك على العامل و سلب سلطنته على نفسه و عمله.
و إذا اتضح لك أن العقود الجائزة بالذات لا تكون عقودا تحقيقية، اتضح لك أمران: الأول: سر ما اشتهر بينهم من عدم اعتبار التواصل بين الإيجاب و القبول فيها فإن الحاصل من الإيجاب و القبول فيها ليس أمرا وحدانيا بسيطا حتى يتوقف حصوله على اجتماعهما و عدم انفصالهما، بل الحاصل من القبول فيها أمر آخر مرتب على الحاصل من إيجابه.
الثاني: سر قيام الفعل فيها مقام القبول بل قيامه مقامه في الحقيقة عبارة عن