818
لا يجحف بالمأخوذ منه، و كان لا يعود للأخذ مرة أخرى، فإن وجوده و أخذه لا يمنعان الاستطاعة فيجب الحج مع ذلك، و لا يشترط في الاستطاعة القدرة على الزاد و الراحلة، كما يؤخذ مما تقدم، فيقوم مقام الزاد الصنعة إذا كانت لا تزري بصاحبها، و علم أو ظن رواجها، و عدم كسادها بالسفر، و يقوم مقام الراحلة القدرة عن المشي، فمن قدر على المشي وجب عليه الحج و لو كان بعيدا عن مكة بمقدار مسافة القصر، أو أكثر، فيجب الحج على الأعمى القادر على المشي إذا كان معه ما يوصله من المال، و كان يهتدي إلى الطريق بنفسه، أو معه قائد يهديه، و لا يمنع الاستطاعة عدم ترك شيء لمن تلزمه نفقتهم: كولده، أو خوفه على نفسه الفقر فيما بعد، إلا إذا خاف الهلاك عليهم أو على نفسه، فلا يجب عليه الحج و إذا لم يوجد عند الشخص إلا ما يباع على المفلس: كالعقار، و الماشية، و الثياب التي للزينة، و كتب العلم، و إله الصانع وجب عليه الحج، لأنه مستطيع، و تعتبر الاستطاعة ذهابا فقط إن أمكنه أن يعيش بمكة، فإن لم يمكنه الإقامة بها اعتبرت الاستطاعة في الإياب أيضا إلى مكان يمكنه أن يعيش فيه، و لا يلزم رجوعه لخصوص بلده، فلا بد أن يكون عنده ما يكفيه ذهابا و إيابا إلى محل يعيش فيه، أو صنعة تقوم بحاجياته إذا كانت رائجة، كما تقدم، و لا فرق بين البر و البحر متى كانت السلامة فيه غالبة، فإن لم تغلب، فلا يجب الحج إذا تعين البحر طريقا، و كل ما تقدم في الاستطاعة معتبر في حق الرجل و المرأة. و يزداد في حق المرأة أن يكون معها زوج، أو محرم من محارمها، أو رفقة مأمونة، فإذا فقد جميع ذلك ، فلا يجب عليها الحج، و أن يكون الركوب ميسورا لها إذا كانت المسافة بعيدة، و البعد لا يحد بمسافة القصر، بل بما يشق على المرأة المشي فيه، و يختلف ذلك باختلاف النساء، فيلاحظ في كل امرأة ما يناسبها، فإذا شق المشي على المرأة، و لم يتيسر لها الركوب، فلا يجب عليها الحج، كما لا يجب عليها إذا تعين السفر في سفن صغيرة لا تتمكن فيها المرأة من الستر و حفظ نفسها، أما السفن الكبيرة التي يوجد فيها محال يمكن أن تكون المرأة فيها محفوظة، فيجب السفر فيها إذا تعينت طريقا، و لا يسقط الحج عنها، و إذا كانت المرأة معتدة من طلاق أو وفاة وجب عليها البقاء في بيت العدة و لا يجوز لها الإحرام بالحج، لأنه يؤدي إلى ترك بيت العدة و لبثها فيه واجب، لكن لو فعلت ذلك صح إحرامها مع الإثم، و مضت فيه، و لا تمكث في بيت العدة.
الحنابلةقالوا: الاستطاعة هي القدرة على الزاد و الراحلة الصالحة لمثله، و يشترط أن يكونا فاضلين عما يحتاجه من كتب علم، و مسكن، و خادم، و نفقة عياله على الدوام.
و من شروط وجوب الحج أمن الطريق بحيث لا يوجد مانع من خوف على النفس، أو المال، أو العرض، أو نحو ذلك، أما المرأة فإنه لا يجب عليها الحج إلا إذا كان معها زوجها أو أحد من محارمها: كأخ، أو ابن، أو عم، أو أب، أو نحوهم ممن لا تحل له، و من شروط وجوب الحج أن يكون المكلف مبصرا، فان كان أعمى فإنه لا يجب عليه أداء الحج إلا إذا وجد قائدا يقوده، و إلا فلا يجب عليه الحج، لا بنفسه و لا بغيره، و من عجز عن الحج بنفسه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، أو كان لا يقدر على الركوب إلا بمشقة شديدة، فإنه يجب عليه أن ينيب من يحج عنه، كما يأتي في مبحث «الحج عن الغير» .
الشافعيةقالوا: الاستطاعة نوعان: الاستطاعة بالنفس، و استطاعة بالغير. أما الأولى فلا