8متتالية لاستئصال شأفة هذه الحركة وأتباعها، و قد حققت الجيوش التركية و المصرية انتصارات مهمة على الوهابيّين حيث وصلت إلى الدرعية عاصمتهم فدمَّرتها، وقُتل منهم من قُتل وفرّ آخرون ونفي أو أُسر آخرون، وكان ذلك - كما يقول الشيخ محمّدجواد مغنية - جزاء وفاقاً لما فعلوه من قبل بأمة محمد(ص) من المظالم و المآثم ( هذه هي الوهابية، ص129).
وإلى جانب الحملات العسكرية، انطلقت من جهة أخرى الردود الفكرية للردّ على شبهات الوهابية ونقض ما استمسكت به من أدلّة نقلية لتكفير المسلمين و استباحة دمائهم و هدم قبور أئمتهم و علمائهم و أسلافهم، و الآثار التي تدلّ عليهم. والردّ على الادّعاء بأنّ ما يقوم به المسلمون من بناء القبور و زيارتها و التوسل بالأنبياء و الأئمة و الأولياء، هو من مظاهر الشرك الذي يخرج المسلم عن عقيدة التوحيد.
وقد جاءت هذه الردود متنوّعة، لم تقتصر على علماء المذهب الحنبلي ( الذي يقلّده الشيخ ابن عبد الوهاب) و مقلّدي المذاهب السنية الأخرى: المالكية و الشافعية و الأحناف، بل تصدّى للرد على الوهابية كذلك عدد من علماء الشيعة الإمامية، وقد اتفقت كلمة الجميع على تبرئة المسلمين سُنة وشيعة و صوفية من تهمة الشرك، و على أنّ ما يقوم به العلماء و العوام من بناء القبور و الأضرحة و زيارتها و التوسل بأصحابها، كلّ ذلك له أصل في الإسلام، و لا يخالف عقيدة التوحيد، بل هو مظهر من مظاهر الإيمان بالله و رسله و اليوم الآخر، و تعظيم لشعائر الإسلام، وقد فعله المسلمون بمرأى و مسمع من الصحابة و التابعين و أئمة الدين و علماء السلف، ولم يُنكر عليهم أحد، ولم يدَّع أحد من السلف أنّ هذه الأفعال و الأعمال من قبيل الشرك، و لا طالبوا بهدم قبر أو قبة مبنية على قبر إمام أو صحابي أو شهيد، بل أُثر عنهم احترامها و توقيرها و التبرّك بمراقد أهل بيت النبي(عليهم السلام) و صحابته. وليس أدلّ على صحة ذلك و مشروعيته و عدم مخالفته لعقيدة التوحيد، من بقائها قائمة شاهدة، إلى أن أدركتها معاول الجهل و الجفاء النجدي الوهابي، فهدمتها و خرَّبت معالمها و جعلتها أثراً بعد عين.
هذا بالإضافة إلى أنّ آراء الشيخ ابن عبد الوهاب مخالفة لما هو عليه جمهور الحنابلة، وليست سوى صدى لما كتبه شيخه ابن تيمية الحراني أواخر القرن السابع الهجري، وقد ردَّ عليه مُعاصروه من فقهاء المذاهب السنية و من جاء بعدهم، و نسبوه إلى الابتداع و مخالفة الإجماع و عقيدة السلف الصالح، بل اتّهموه بالزندقة لنهيه عن زيارة قبر الرسول(ص) و قوله إنّ النبي(ص) لا يُستغاث به، و النفاق لدفاعه عن بني أمية وطعنه في الإمام علي(ع) و عدد من