18
ويستمر الهدم والتخريب
إنّ أهم ما يميّز هذا الكتاب هو منهجه في معالجة القضايا المختلفة، فليس هناك سب أو تحقير أو تكفير أو شتم للمخالف، كما هي عادة الوهابية، و إنما هناك عرض للأدلّة بلغة عالم مجتهد يُتقن أصول الحوار و المناظرة، همُّه عرض الدليل والردّ على الخصم بلغة علمية بُرهانية، ثم يترك للقارئ حرية الاختيار و التأمل في قوة الأدلّه أو ضعفها.
وقد تبين لنا من خلال هذه القراءة السريعة للكتاب أنّ أهل السنة من الأشاعرة والشيعة الإمامية متقاربون كثيراً في القضايا المختلف فيها مع أتباع ابن تيمية وتلميذه ابن عبدالوهاب. لذلك على المسلمين أن ينتبهوا لهذه الملاحظة، فما يروِّج له الوهابية أو ما يُطلق عليهم اليوم السلفية من عقائد وآراء، إنما هو اجتهاد لفقيه حنبلي له آراء كثيرة شذَّ فيها عن مذهبه وعن مذاهب المسلمين الأخرى سنة و شيعة، و أنّ هناك اجتهادات أخرى لعلماء آخرين هي من القوة والقرب من الحقيقة الإسلامية لدرجة أنّ أيّ مسلم أو باحث بمجرد ما يطلع عليها ينظر إلى الآراء الوهابية أو السلفية نظرة احتقار، ويتّهم أصحابها بالسذاجة والبُعد عن العقلانية وعظمة الإسلام وبُعد نظره وعمق قيمه ومبادئه.
لقد كُتب الكثير في الرد على الوهابية، ولو جُمع ما كتبه علماء أهل السنة و علماء الشيعة الإمامية، لوجدنا تراثاً ضخماً لو اطلع عليه المسلمون لما وُجد من يقلدّ أو يتبع الآراء والعقائد الوهابية، لكن مع الأسف إنّ الكتابات السلفية تُغرق الأسواق وتوزع مجاناً وخصوصاً في موسم الحج، وعلماء باقي المذاهب ركنوا إلى الصمت خوفاً أو طمعاً، والحرب السلفية على الرأي الآخر مستمرة، فأيّ مخالف من أهل السنة يكفّرونه ويحاربونه في وسائل الإعلام حتى تضيق به الأرض بما رحبت. أما الشيعة فهم كفار سلفاً بحسب زعم الوهابية، والخاسر الأكبر في هذه المعركة المذهبية هي الحقيقة الإسلامية والآثار الإسلامية في الجزيرة العربية والحرمين، فرغم النداءات الكثيرة والردود المتنوعة لم يُعر الوهابيون آذانهم لأيّ أحد، واستمروا في الهدم والتخريب بحيث لن يتركوا أثراً يدلّ على الأجداد وسلف هذه الأمة مع أنهم دعاة السلف.
إنّ الحجاز، وخصوصاً المدينتين المقدستين من أكثر البقاع زخراً بالآثار الإسلامية، مقابر ومساجد ومواقع مرتبطة بأحداث مهمة في تاريخ الإسلام والمسلمين، ولكن الوهابية يعادون كلّ ما يمت بصلة إلى هذه الآثار، بحجه الخوف من الشرك و الكفر.
لا أعرف كيف تُهدَّم المساجد التاريخية خوفاً من الشرك، وفي الوقت الذي يُنقِّب العالم