68
الدعوة من الله والتلبية من العباد:
وتكريم آخر للإنسان في أصل الدعوة؛فإنّ الدعوة عادة من صاحب الحاجة،والتلبية ممن يملك هذه الحاجة،والله تعالى هو الغني،وعباده الفقراء إليه: (B يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرٰاءُ إِلَى اللّٰهِ وَ اللّٰهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) 1.
وشاء الله أن يُكْرم عباده بأن دعاهم إلى عبادته،وهو الغني عن عبادة عباده له،وشاء الله أن تكون التلبية من عباده الفقراء إليه.
وحقّ عليهم أن يطلبوا من الله-تعالى-أن يأذن لهم بالعبودية والعبادة،ولكن الله-تعالى-بدأهم بهذه الدعوة،وأكرمهم بالتلبية والاستجابة،وهو غاية ما يمكن أن يبلغه الكرم،وإذا كانت هذه الدعوة من الله غاية الجود والكرم من الله،فإنّ الإعراض والصدود عنها غاية اللؤم من الإنسان،وإذا كانت الاستجابة لهذه الدعوة من سعادة الإنسان،فإنّ من بؤس الإنسان وشقائه الإعراض والصدود عن الاستجابة لهذه الدعوة.
ولهذا السبب قلت:إنّ الاستجابة لدعوة الله-تعالى-عروج إلى الله،والصدود والإعراض عنها سقوط وهلاك للإنسان.
وكيف انعكس الأمر-في هذه الدعوة الإلهية-وانقلب العبد في فقره وحاجته من موقع الطالب والداعي والسائل إلى موقع«التلبية»؛وكان الله تعالى هو صاحب الدعوة والطلب،وهو غني بذاته عن خلقه وعباده.
إنّ لهذا الانقلاب في المواقع سرّاً،وهو خصلة الكرم والجود الذاتية والأصيلة في الذات الإلهية،فهو سبحانه وتعالى يُحبُّ أن يجود على عباده،ويُحبُّ أن يكرمهم وأن يحسن إليهم،كما نحتاج نحن إلى جوده وكرمه وإحسانه.
وحبّ الجود والكرم والإحسان والعطاء صفة من صفات ذاته عزّ شأنه،وليس