135عزائمهم، وتتجدد بها هممهم؛ لنشر العقيدة السليمة، والمبادئ، والقيم الصحيحة، يستنطقون من خلال السيرة والمسيرة والآثار القائمة أمجاد التاريخ الإسلامي في مراحله المبكرة؛ ليبعث حياً في النفوس.
مكة المكرمة قد ضمت العديد الكثير من تلك الأماكن التاريخية المهمة في تاريخ الإسلام، حظيت بعناية المسلمين واهتمامهم منذ العصور الإسلامية المبكرة تأليفاً وتدويناً، توقيعاً، ورواية متواترة، علمياً ومحلياً، فهي سجلّ حافل في صفحات موثقة، يتوارث معرفتها الخلف عن السلف في تسلسل تاريخي منتظم، منذ ظهور الرسالة المحمدية، حتى الوقت الحاضر، حرص السلف الصالح: محدثون، وفقهاء، ومؤرخون، وأدباء منذ القرن الأول الهجري على ترسيم تلك الأماكن، وتوقيعها، وتحديدها تخليداً للحدث، مرتبطاً بمشاهدة المكان، فللمكان إيحاءاته وإشعاعاته، بقيت تراثاً خالداً باقياً عبر الأجيال المتعاقبة في أمانة وصدق، دون أن تمس بسوء.
إنّ هذا البحث يواصل تلك المسيرة التي ابتدأها سلفنا الصالح في صياغة تحليلية جديدة، فهو امتداد لتلك الجهود، خصوصاً وأنّ الكثير منها قد اختفى عن الأنظار؛ لغرض توسعة المسجد الحرام، وإعادة تخطيط المدينة المقدسة، مكة المكرمة بحسب ما جد فيها من طرق، وتزايد عدد السكان، وأعداد الحجاج الذين بلغ إحصاؤهم إلى ما يزيد على المليونين، والمستقبل ينبئ بزيادات مضاعفة في السكان، والحجاج والمعتمرين.
أدى هذا وغيره إلى غياب بعض تلك الأماكن من الوجود، وحتى تظل تلك الشواهد التاريخية التي عاصرت أفضل الخلق، وأعظم أجيال الإسلام محفورة في الذاكرة وحتى لا يصبح تاريخنا وماضينا أسطورة مثل ما حدث لبعض الأمم السابقة يأتي هذا البحث لرصدها، وما طرأ عليها، استمراراً للتسلسل التاريخي لجزء من أهم خصائص المدرسة التاريخية المكية.
ظهرت العناية بهذه الأماكن المأثورة في مكة المكرمة عبر القرون الماضية توثيقاً في مدونات متعددة كثيرة، ومن لدن جهات علمية متنوعة.