12وردّ عليهم في نفس الآية بأنّه كيف يصحّ ذلك مع أنّ المسيح لايأمر الناس بعبادته، بل بعبادة غيره، وذلك بقوله: اُعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ ؟
وفي الآية الثانية يحكي سبحانه عنهم اعتقادهم بالآلهة الثلاثة، فكل من الأب والأبن والروح القدس عندهم إله، ويردّ عليهم بأنّه لا إله إلاّ إله واحد.
أمّا كيفية الاستدلال على أنّ الإله في هذه الآيات وما يليها ليس بمعنى المعبود أو غيره من المعاني السبعة، بل أريد به ما يُراد من لفظ الجلالة بتجريده عن العلَمية، فواضحة لدى التدبّر، بشرط أن نقف على مغزى الاختلاف بين الموحّد وأهل التثليث، إذ ليس مصب الاختلاف بينهم، وحدة المعبود أو تعدّده، وإنّما هو لازم نزاع آخر يرجع إلى وحدة ذات الواجب أو تعدّدها، فإذا قال سبحانه: إنَّمَا اللَّهُ إلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ 1، فلا يريد أنّه معبود واحد ليس له ولد، و إنّما يُريد بساطة ذات الله و وحدتها.
وإذا قالت النصارى إنّ الله ثالث ثلاثة، فمرادهم أنّه ثالث الآلهة وأنّ الواجب جلّ اسمه أو ما يشار إليه بلفظ الجلالة، آلهة ثلاثة، لا إله واحد، فإذا ردّ عليهم سبحانه بقوله: وَما مِنْ إلهٍ إلاَّ إلهٌ واحِدٌ يُريد وحدة الذات وبساطتها.
فالإله في كلام كل من الطرفين يشير إلى تلك الذات المقدسة، فيكون مرادفاً للفظ الجلالة، لكن بشرط تجريدها عن العلَمية.
ولو فُسِّر لفظ (الإله) في هذه الموارد بوحدة المعبود أو كثرته، لزم غضّ النظر عما هو موضع النزاع لبّاً عبر قرون.
ومنه يظهر مفاد الإله في الآية التالية، إذ لا محيص من تفسيره بالمعنى المختار الّذي يعبر عنه بواجب الوجود، الخالق، البارئ، إلى غير ذلك من الصفات.
قال سبحانه: وَ إذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أ أنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَ اُمِّىَ إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِى أنْ