86
الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة (1)
إنّ من كان له أدنى إلمام بالمعالم الإسلامية، يعلم بأنّ قسماً كبيراً منها يرتبط بالآثار الباقية من رسول الله (ص) وأهل بيته الطيبين (عليهم السلام) ، والصالحين؛ و لاشك أنّ الأجيال سواء أكانت المؤمنة أم الأخرى التي تريد الاطلاع والدراسة - التي لم تكن حاضرةً في تلك العصور - لايمكنها التعرف على هؤلاء القادة السادة إلاّ من خلال الاطلاع على آثارهم التي تبين تاريخهم النير، و دورهم الكبير، وعطاءهم المبارك، وتضحياتهم الجسام، حقاً «إنّ آثارهم تدلّ عليهم» .
فالآثار خير وسيلة وأنجع طريقة للتعرف على سيرتهم وأخلاقهم، وللتعرف على ما حملوه من قيم ومبادئ، راحت تترك بصماتها على سلوكهم وأخلاقهم، وظلت هذه الآثار تحكي بصدق عظمة جهودهم التي بذلوها في سبيل رسالة السماء، وهداية الناس، و انقاذهم من ظلمات الجاهلية إلى نور الحياة الإيمانية، غير مكتفين بأنفسهم وأهليهم ومن حولهم في عصرهم، بل حتى للذين يأتون بعدهم بما يتركونه من تراث مقروء، أو مسموع، أو مرئي يمكن الاستفادة منه؛ في الاقتداء بهم، والسير على نهجهم القيم، المنبثق من كتاب الله تعالى وسنة نبيه (ص) .
فلو علم الإنسان المسلم أنّ رسول الله (ص) الذي وصفه القرآن الكريم بقوله: وإنَّكَ لَعَلىَ خُلُقٍ عَظيِمٍ قد تجسد خلقه هذا، و هو يعيش حياةً متواضعةً مشحونةً بالتواد والتراحم، بعيدةً عن الفظاظة والغلظة؛ تتلمسها في دار صغيرة بسيطة اتخذها سكناً، و في مسجد اتخذه مقراً لعبادته وقيادته للأمة والدولة، وهكذا في كل مواقعه ومواقفه ومنازله وعلاقاته. . فسيتّخذ هذا الإنسان المسلم طريقاً صحيحاً مماثلاً لما عليه رسول الله (ص) وأهل بيته (عليهم السلام) و الصالحون رضوان الله تعالى عليهم، لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فيِ رَسُولِ اللهِ أسْوَةٌ حَسَنَةٌ. . . 1و يقتدي بهم بسبب ما رأى من آثارهم، و يعيش حتماً مثل ما رأى و عرف من كيفية منازلهم، و بساطة عيشهم؛ و بسبب هذا التعرّف على آثارهم يصير ذلك الإنسان أنموذجاً حياً في عصره، و إن كان عصره بعيداً عنهم بقرون، فضلاً عما يترتب على زيارة هذه المواقع من بركات وأجر وثواب. . .
و ليس هذا من منافع التعرّف على آثارهم القيّمة فحسب، بل ستكون هذه الآثار معلماً واضحاً، و داعياً قوياً، للتعرف على المنهج المبارك نفسه الذي ساقته السماء والتزم به الصالحون، فيا حبذا لو كانت دار رسولالله (ص) وآثاره المباركة باقية في عصرنا، لتكون داعية حقيقية إلى الإسلام العزيز الحنيف! !
ولكن يا للمصيبة! فقد ابتلي الإسلام و الأمة الإسلامية بفرقة فاسدة حاقدة، بدأوا بتكفير أبناء الأمة الإسلامية، واتهموهم بالشرك و الإلحاد! و لم يكتفوا بهذه الاتهامات الكاذبة، بل بدأوا بهدم كل ما تعلقت به نفوس المؤمنين من الأماكن الإسلامية، و تخريب الآثار المقدسة التي بقيت من عصر الرسولالأكرم (ص) .