78و سبحان الله! . . . إنّ الإنسان ليشعر بالثقل حين يقدم إلى عرفة، و الخفة حين يغادر عرفة إلى المشعر الحرام، و كأنه ترك في وادي عرفة عبثاً كان يثقل ظهره من قبل، تركه في عرفة، و تخفف عنه، و ها هو الآن، و هو يفيض إلى المشعر الحرام، يشعر بهذه الخفّة، و هو مُجْهَدٌ أشد الجهد، و متعب أكثر التعب، لا شك في ذلك، و مع ذلك يشعر أنه قد تخفّف عند الإفاضة كثيراً. . . و ليس هذا العيّ من نوع الثقل المادي الذي نقيسه بمعاييرنا في الأوزان، و لكنّه على كلّ حال أمر محسوس لكلّ من يفيض من عرفة إلى المشعر الحرام، و إن بين الإحساس و معاناة النفوس و الأرواح علاقة حميمة، كما أن بين النفوس و الأجسام علاقة ينعكس كلّمنهما على الآخر.
و عندما يفيض الناس من عرفة يتركون وراءهم ركامين، كأنهما التلال الكبيرة: ركام من القمامة، و الفضلات، و الأوساخ، و ركام من الذنوب، و المعاصي، و الآثام.
يشتغل عمال البلدية بتنظيف الركام الأول، و يشتغل الملائكة بتنظيف عرفة من الركام الثاني، حتّى تستقبل عرفة ضيوف الرحمان من الحجيج للعام القابل، فيمرون من خلال مصفاة عرفة.
و هكذا تتجدد هذه العملية في كل عام، تستقبل عرفة ضيوف الرحمان، شعثاً غبراً، قد أضرهم الجهد و التعب، و أرهقتهم المناسك، و لكنّهم يخرجون من مصفاة عرفة، كيوم ولدتهم أمّهاتهم، مطهّرين منزهين، ليبدأوا حياتهم من جديد.
و الحمد لله على عفوه بعد قدرته، و الحمد لله على طول أناته في غضبه،