99قال رجل لأبي بن كعب: أوصني يا أبا المنذر، قال: لا تعترض فيما لا يعنيك، واعتزل عدوك، واحترس من صديقك، ولا تغبطن حياً إلا بما تغبطه به ميتاً، ولا تطلب حاجة إلى من لا يبالي ألا يقضيها لك.
وجاء رجل إلى أبيّ فقال: يا أبا المنذر! آية في كتاب الله قد غمتني. قال: أي آية؟ قال: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ قال: ذاك العبد المؤمن ما أصابته من نكبة مصيبة فيصبر، فيلقى الله تعالى، فلا ذنب له.
وعنه أنه قال: المؤمن بين أربع؛ إن ابتلي صبر، وإن أعطي شكر، وإن قال صدق، وإن حكم عدل. فهو يتقلب في خمسة من النور، وهو الذي يقول الله: نُورٌ عَلى نُور (49) كلامه نور، وعلمه نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره إلى نور يوم القيامة.
والكافر يتقلب في خمسة من الظلم؛ فكلامه ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه في ظلمة، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة. (50)
رافقته الحمى!
عاش أبو المنذر رضوان الله تعالى عليه حياته مريضاً بالحمى، وقد لازمته، لكنها لم تثنه عما يريد، فقد واصل حياته - بعزم وهمة عالية قل نظيرها مجاهداً في ميادين النزاع دفاعاً عن الدين الذي آمن به بصدق وإخلاص. . و متعلماً وعالماً ومعلماً في مدرسة القرآن الكريم والصحبة النبوية المباركة. .
كيف لا يكون كذلك، وقد أبكاه ما سمعه من رسول الله (ص) حين قال (ص) له: أمرت أن أقرئك القرآن.
فقال أبي له: أو ذكرت هناك؟
قال: نعم.
فبكى أبي، فلا أدري أشوق أم خوف. .
وقال أبي: انطلقت إلى رسول الله (ص) فضرب بيده صدري.
ثم قال: أعيذك بالله من الشك والتكذيب.
قال: ففضت عرقاً، وكأني أنظر إلى ربي فرقاً!
كل هذا وغيره جعل أبياً متعالياً على مرضه وآلامه وأوجاعه، وأعظم ثباتاً في كدحه وجهاده، وجعله أكثرعزماً في خدمته للقرآن الكريم، الذي تميزت به حياته المباركة. .
سأل أبيّ الرسول 9 جزاء الحمَّى؟
قال: تجري الحسنات على صاحبها ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق.
فقال أبي: اللهم إني أسألك حمّى لا تمنعني خروجاً في سبيلك، ولا خروجاً إلى بيتك ولا مسجد نبيك، فلم يمس أبي إلا وبه حمّى.
وعن عبد الله بن أبي نُصير قال: عُدْنا أبي بن كعب في مرضه، فسمع المنادي بالأذان فقال: (الإقامة هذه أو الأذان؟) . . . قلنا: (الإقامة) . . . فقال: (ما تنتظرون؟ ألا تنهضون إلى الصلاة؟) . . . فقلنا: (ما بنا إلا مكانك) . . . قال: (فلا تفعلوا قوموا، إن رسول الله (ص) صلى بنا صلاة الفجر، فلمّا سلّم أقبل على القوم بوجهه فقال: (أشاهدٌ فلان؟ أشاهدٌ فلان؟) .
حتى دعا بثلاثة كلهم في منازلهم لم يحضروا الصلاة فقال: إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حَبْواً،