87وهذا يعني أن المقصود العقبة الثانية، ولكني وللأسف لم أجد له اسماً في السيرة النبوية لابن هشام، وهو يذكر أسماء أهل البيعتين الأولى والثانية من الأوس والخزرج.
وكان أبي بن كعب من الأنصار الذين نصروا رسول الله، واستقبلوه في يثرب، وقد شهد كل الغزوات مع النبي (ص) . وبقية المشاهد، وجمع القرآن في حياة الرسول (ص) وكان رأساً في العلم وبلغ في المسلمين الأوائل منزلة رفيعة. . حتى قال عنه رسول الله (ص) : أبي سيد الأنصار. . ونسب إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أنه قال عنه مادحاً: أبي سيد المسلمين.
وهكذا توالت عليه هذه المناقب، وعظم حب المسلمين له، واشتد ودهم له، ولاذوا به في معرفة ما يشكل عليهم من علم ومعرفة، حتى جاء في الخبر عن قيس بن عباد أنه قال: كنت آتي المدينة فألقى أصحاب النبي (ص) ، وكان أحبهم إليّ أبي بن كعب. . . وقال: ثم قعد يحدث، فما رأيت الرجال مدت أعناقها إلى رجل مثلما مدت أعناقها متوجهة ً إلى أبي بن كعب. . .
المؤاخاة
مشروع المؤاخاة بين المسلمين، الذي أسسه رسول الله (ص) في المدينة، كان من أروع المشاريع، وأعظمها نفعاً على كل المستويات الإيمانية والاجتماعية والسياسية. . وكان الأساس المتين والصلب لبناء قاعدة إيمانية تمهيداً لبناء مجتمع آمن متكافل، فدولة قائمة على الحب والمودة والتضامن الفاعل. . حتى غدا مجتمع المدينة ودولته في عهد رسول الله (ص) مثالاً لنموذج فذ نادر، يحلم به الشرفاء والأحرار. .
قال السهيلي: آخى رسول الله9 بين أصحابه حين نزلوا بالمدينة؛ ليذهب عنهم وحشة الغربة، ويؤنسهم من مفارقة الأهل والعشيرة، ويشدّ أزر بعضهم ببعض، فلما عز الإسلام، واجتمع الشمل، وذهبت الوحشة، أنزل الله سبحانه: أُولُوا الأَْرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِى كِتابِ اللهِ أعني في الميراث. ثم جعل المؤمنين كلهم إخوة، فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ يعني في التوادد، وشمول الدعوة.
فقد راح رسول الله (ص) يؤاخي بين المهاجرين والأنصار. . وآخى بين سعد بن زيد بن عمرو بن نفيل وأبي بن كعب، وهو أخو بني النجار أخوين. (2)
أبي مجاهداً:
ما أن هاجر النبي (ص) إلى المدينة حتى كان أبيّ ملازماً لرسول الله (ص) ، فاشترك في بناء المسجد، ثم في معركة بدرٍ الكبرى، فكان واحداً من أهلها، ولم يتخلف عن مشاهد رسول الله (ص) قط، بل حضرها كلها. .
اُبَيّ قرآنياً
كان المسلمون ينظرون إلى أُبي بن كعب نظرتهم إلى ذلك الرجل القرآني الرشيد المستقيم السيرة، الطيب العنصر، العظيم في الإسلام، وجاء في الخبر أن رسول الله (ص) ، قال في يوم عيد: أدعو لي سيد الأنصار؛ فدعو أُبي بن كعب.
وإنه كذلك فقد نال أبي2 شرفاً ربما لم ينله غيره من أصحاب رسول الله (ص) ، ومن ذلك - كما ذكرنا - أمر الله لنبيه (ص) أن يقرأ عليه سورة البينة، فقد ذكر كل من البخاري ومسلم في صحيحيهما: أن رسول الله (ص) قال لأبي: إن الله عز وجل أمرني أن أقرأ عليك: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا (3)
قال: وسماني لك؟ قال نعم. فبكى. .