37ولكي يسلم الإنسان في تعامله مع الأسباب المادّية من هذا الشرك الذي ينزلق إليه الكثيرون من الناس. . . جعل الله تعالى الذِّكر أماناً للناس من منزلق الشِّرك في الحياة الدُّنيا.
فإنّ الذِّكر يحصِّن الإنسان من الشرك، في تعامله وتماسّه الدائم مع الأسباب المادّية، وينبّهه بصورة دائمة بأن (لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم) ، وأنّ كلّ حول وقوّة في هذا الكون من عند الله تعالى حصراً، ومسخَّر لأمر الله، والله تعالى يضع هذه الأسباب من حياة الناس أينما يشاء وكيفما يريد، ويرفعه ويمنعه حيث لا يحبّ ولا يريد، يَهبُ مَن يشاء ما يشاء، ويمنعُ ما يشاء عمّن يشاء، يوفّق مَن يشاء لما يشاء، ويحرم مَن يشاء عمّا يشاء، بيده الأمر والسلطان والحول والقوّة كلّه في هذا الكون.
فإذا أيقن الإنسان بهذه الحقائق الكونيّة كلّها، وآمن بأنّ كلّ حول وقوّة في هذا الكون لا يكون إلاّ بالله، واستحضر سلطان الله تعالى وحوله وقوّته، فلا تحجبه هذه الأسباب عن خالقها ومسبّبها.
وإذا امتلأ قلب الإنسان وعقله بجلال الله، وجماله، وسلطانه، وحوله، وقوّته، فلن تحجبه عندئذ الأسباب المادّية عن الله، ولن تؤدّي هذه الأسباب، مهما قويت وتوثّقت علاقته بها، إلى ضعف في ثقته بالله تعالى، وتوكّله عليه عزَّ وجلّ. .
والقرآن لا ينهانا عن السعي والعمل في السوق والمزرعة والسياسة والحياة الاجتماعيّة، وحقول المعرفة المختلفة، ولكن على أن يقترن ذلك كلّه بذِكر الله تعالى؛ والذِّكر يحمي الإنسان ويحفظه ويحصّنه من تسلّل الشرك إلى نفسه من حيث يعلم أو لا يعلم.
ضمان التقوى
والخطر الآخر الذي يواجه الإنسان في علاقته بالله عندما يتماسّ الإنسان ويتعامل مع الأسباب المادّية هو خطر الانزلاق إلى الحرام، وهو خطر آخر غير خطر الانزلاق إلى الشرك.
فإن سعي الإنسان في الدُّنيا يقع بين فكّي الهدى والفتنة، بين سلطان الهوى والشهوات والغرائز من جانب (من داخل النفس) ، وبين إغراءات المال والسلطان والجنس الآخر من جانب آخر (من خارج النفس) ، وهما ما سميناه (الهوى والفتنة) .
والضلع الثالث لهما (الشيطان) الذي يقوم بدور السمسار بينهما في تزيين مغريات الحياة الدُّنيا للأهواء والشهوات، وفي إثارة الشهوات والأهواء من جانب آخر.
وكثيراً ما يقع الإنسان فريسة سهلة لهذا المثلّث الرهيب.
من هذا المنطلق ينزلق الإنسان إلى معصية الله تعالى واقتراف الذنوب. وهذا الانزلاق انزلاق إلى مخالفة الله تعالى ومعصيته، وهو غير الانزلاق إلى الشرك، أعاذنا الله تعالى منهما.
والضمان الذي يؤمّن سلامة الإنسان من هذا الانزلاق هو (التقوى) . . . فإنّ التقوى عاصمٌ يعصِم الإنسان من هذه المنزلقات.
يقول أمير المؤمنين (ع) كما في الرواية الشريفة الواردة في نهج البلاغة: «اعلموا عباد الله أنّ التقوى دار حصن عزيز، والفجور دار حصن ذليل» (76) .
وكما أنّ الحصون تُحصِّن الناس والبلاد من السقوط في يد العدوّ، كذلك (التقوى) تُحصِّن الإنسان من السقوط في شرك الشيطان ومعصية الله.
وبعكس ذلك الفجور، فإنّها تسهِّل للشيطان مهمّة تسقيط الإنسان وتحريفه وجرّه إلى معصية الله.