50واحد من أعظم منافع الحج لِيَشْهَدُوا مَنٰافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ فِي أَيّٰامٍ مَعْلُومٰاتٍ (الحج: 28) ولا نعرف مشهداً للأمّة الواحدة أعظم وأروع من مشاهد الحج.
هنالك يشهد المسلم الأمة الواحدة بكل تجلياتها.
من إسقاط الفوارق وملأ الفواصل والفجوات والوقوف جميعاً في موقف واحد وفي وقت واحد.
وهذه المشاهد التي تكرر كلّ سنة ويحضرها نخبة من المسلمين من كلّ فجّ عميق... تعتبر أفضل تجسيد للأمة الواحدة، التي تضيع أحياناً وتختفي بسبب تراكم الخلافات المذهبية والوطنية.
وأوّل ما يتجلّى هذا المشهد التوحيدي والوحدي العظيم في (الميقات) حيث ينتزعهم الميقات من أزيائهم الوطنية ويلبسهم لباساً موحداً في غاية البساطة، وبعيداً عن مظاهر الترف، ثمّ يوحّد الميقات خطابهم الرباني : «لبّيك اللهم لبّيك، لبيك لا شريك لك لبّيك». وهذا هو الخطاب التوحيدي والوحدوي الذي يرفعه الحجاج جميعاً في الميقات...
يوحّد الميقات خطابهم الذي هو جوهر هذه العبادة وهي (التوحيد) ويوحّد مظهرهم، وينتزعهم من حالة التشتت في الخطاب، وتمايز المظاهر والأزياء، فيكون مثل الميقات مثل جداول متمايزة من أقاليم شتى، تدخل في الميقات على شكل نهر عظيم من الحجاج، يقبلون على الله بمظهر واحد وخطاب واحد وغاية واحدة حتّى يَصُبّ هذا النهر في بحر عظيم من البشر بجوار بيت الله الحرام لا تكاد تميز فيه العراقي عن اليماني واليماني عن الحاج الجزائري والحاج الجزائري عن الإيراني والتركي.
ثم يأتي دور الكعبة الشريفة في توحيد هذه الأمة وإخراجها إخراجاً واحداً.
وللكعبة المعظمة دوران في توحيد هذه الأمة : (القبلة والطواف)، وكلّ واحد من هذين الدورين يوحّد وجهة هذه الأمة العظيمة، المتفرقة في بلاد شتّى من القارّات الخمس.
(القبلة) توحّد جهة حركة المسلمين في كلّ مناطق الأرض (الطواف)، يوحّد حركة الحجّاج إلى الله حول الكعبة، وكأنّ الطواف حول الكعبة يرمز إلى حركة التوحيد في التاريخ والمجتمع حول مركز واحد منه يتحرك الإنسان وينطلق في آفاق الحياة، وإليه يعود مرة أخرى إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ وتبقى هذه النقطة هي مركز كلّ نشاط الإنسان وحركاته وخطابه ومواقفه وجهده في الحياة قُلْ إِنَّ صَلاٰتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيٰايَ وَ مَمٰاتِي لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ . ليس فقط في صلاته ونسكه، وإنّما في محياه ومماته أيضاً...
والأثر الآخر للطواف توحيد مسيرة الحجاج في هذه الدائرة التوحيدية الكبرى... كل من الحجاج يأخذ نفس المسير وينطلق من الحجر الأسود