17
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلاٰلاً بَعِيداً * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللّٰهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لاٰ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاّٰ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خٰالِدِينَ فِيهٰا أَبَداً وَ كٰانَ ذٰلِكَ عَلَى اللّٰهِ يَسِيراً
1
.
أليس في هذا شدة..؟ وبالتالي فإن الشدة والوعد والوعيد ليس مختصاً بالقرآن المكي دون المدني.
وكذلك فإن الليونة والتسامح والصفح ليس قصراً على القرآن المدني؛ فالقرآن المكي تفيض آياته في الكثير من سوره بمثل هذه الصفات:
ففي سورة الأنعام، وهي مكية:
وَ إِذٰا جٰاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيٰاتِنٰا فَقُلْ سَلاٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهٰالَةٍ ثُمَّ تٰابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
2
.
وفي سورة الأعراف، وهي مكية:
وَ بَيْنَهُمٰا حِجٰابٌ وَ عَلَى الْأَعْرٰافِ رِجٰالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمٰاهُمْ وَ نٰادَوْا أَصْحٰابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلاٰمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهٰا وَ هُمْ يَطْمَعُونَ
3
.
وفي سورة يونس وهي مكية:
أَلاٰ إِنَّ أَوْلِيٰاءَ اللّٰهِ لاٰ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاٰ هُمْ يَحْزَنُونَ * اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ كٰانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرىٰ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ فِي الْآخِرَةِ لاٰ تَبْدِيلَ لِكَلِمٰاتِ اللّٰهِ ذٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
4
.
وهكذا في سورة الصف 33 - 35، والشورى 36 - 43، والحجر 87 - 88، والزمر 53، والأنعام 108.
قُلْ يٰا عِبٰادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ لاٰ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً
5
.
أليس في هذه الآيات لين ولطف وصفح مع أنها مكية؟
ثانياً: إن المكي تتصف سوره بالقصر فيما المدني تتصف سوره وآياته بالطول.
والملاحظة هنا تأتي مختصرة؛ فمع ملاحظة أن القسم المكي هو الأكثر، فقد تجاوز ثلثي القرآن الكريم تقريباً.. فقد احتوى القسم المكي على سور طويلة، كسورة الشعراء وآياتها 227، و الأعراف وعدد آياتها 206، والصافات وآياتها 182، والأنعام وآياتها 165، فيما احتوى القسم المدني على سور قصيرة كسورة النصر وآياتها 3، والبينة 8، وكذا الزلزلة، والجمعة وآياتها 11، وكذا المنافقون..
ثالثاً: إن القسم المكي لم يتناول الجانب التشريعي من أحكام وأنظمة بعكس القسم المدني الذي تضمّن الأحكام والتشريعات العديدة..
فمع ملاحظة أن الدين لم يتسنّ له الظهور على الساحة بشكل فاعل ومؤثر وصريح ولم ينج من ملاحقة المشركين له ولاتّباعه، وقد غادر كثير منهم مكة مهاجراً فضلاً عن أن يدخل في تفاصيل التشريعات والأحكام وتطبيقاتها، والرسول(ص) غير قادر على أن يحمي أتباعه، لهذا أذن لكثير منهم بالهجرة، بعكس ما حدث له في المدينة المنورة، ومع هذا نجد شيئاً من التشريع كما في الأنعام، وهي مكية:
قُلْ تَعٰالَوْا أَتْلُ مٰا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاّٰ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً وَ لاٰ تَقْتُلُوا أَوْلاٰدَكُمْ مِنْ إِمْلاٰقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ إِيّٰاهُمْ ... *
وَ لاٰ تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلاّٰ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّٰى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ...
6
.
هذا على فرض أن هذه الآيات مكية، كما عن أبي بن كعب وعكرمة وقتادة، وورد هذا في مجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ الطبرسي، وأما على قولٍ لابن عباس أن هذه الآيات مدنية وباقي السورة مكية، فإنها لا تصلح رداً..
كما نجد المكي يناقش العديد من تشريعات الديانات الأخرى، مثل الآيات 119 - 122، 138 - 146 من سورة الأنعام المكية.
هذا تلخيص لبعض الشبهات المثارة والرد عليها، وإلا فهناك العديد من الشبهات والردود، فانظرها فيما كتب عن علوم القرآن سيما ما كتبه الشهيد الصدر في علوم القرآن.
أسماء السور المكية وأسماء السور المدنية
هناك سور وهناك آيات قرآنية نزل بعضها في مكة، ونزل بعضها في المدينة، فيما هناك بعض ثالث وقع في مكان نزوله اختلاف بينهم، والذي يبدو أن هذا الاختلاف إنما وقع لاختلافهم في المراد من المكي والمراد من المدني أو لأن الطريق إلى كل منهما قد يعد أمراً غير متيسر أو لاختلاف في اجتهادهم.. وكما وقع إجماعهم على قسم كبير منها وقع اختلافهم في البقية.. وأيضاً اختلفوا في عدد سور كل من القسمين تبعاً لاختلاف الروايات.