274مَوَاسِمَهُ، يَضَعُ ذٰلِكَ حَيْثُ الحاجَة إِليهِ، مِن قُلُوبٍ عُمْيٍ وآذٰانٍ صُمٍّ وأَلْسِنَةٍ بُكْمٍ، مُتَتَبِّعٌ بِدَوَائِهِ مَوَاضِعَ الغَفْلَةِ ومَوَاطِنَ الحَيْرَةِ، لَمْ يَسْتَضِيْئُوا بِأَضْوَاءِ الحِكْمَةِ ولَمْ يَقْدَحُوا بِزِنَادِ العُلُوْمِ الثَاقِبَةِ، فَهُمْ فِي ذٰلِكَ كَالأَنْعَامِ السَائِمَةِ والصُخُوْرِ القَاسِيَةِ 1.
حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ اللّٰه سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَىٰ إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً، وَ أَعَزِّ الأَرُومَاتِ مَغْرِساً، مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَهُ، وَ انْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَهُ، عِتْرَتُهُ خَيْرُ الْعِتَرِ، وَ أُسْرَتُهُ خَيْرُ الأُسَرِ، وَ شَجَرَتُهُ خَيْرُ الشَّجَرِ، نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ وَ بَسَقَتْ فِي كَرَمٍ، لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ وَ ثَمَرٌ لا يُنَالُ، فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اتَّقَىٰ، وَ بَصِيرَةُ مَنِ اهْتَدَىٰ، سِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُهُ وَ شِهَابٌ سَطَعَ نُورُهُ، وَ زَنْدٌ بَرَقَ لَمْعُهُ، سِيرَتُهُ الْقَصْدُ، وَ سُنَّتُهُ الرُّشْدُ، وَ كَلامُهُ الْفَصْلُ وَ حُكْمُهُ الْعَدْلُ 2.
المشهد الثاني: شاهد البعثة
وَ لَقَدْ قَرَنَ اللّٰه بِهِ صلى الله عليه و آله مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلائِكَتِهِ، يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ وَ مَحَاسِنَ أَخْلاقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ وَ نَهَارَهُ، وَ لَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاقِهِ عَلَماً وَ يَأْمُرُنِي بِالاقْتِدَاءِ بِهِ، وَ لَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ؛ فَأَرَاهُ وَ لا يَرَاهُ غَيْرِي، وَ لَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلامِ غَيْرَ رَسُولِ اللّٰه صلى الله عليه و آله وَ خَدِيجَةَ وَ أَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَ الرِّسَالَةِ وَ أَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عليهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّٰه! مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ؟ فَقَالَ: هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَ تَرَىٰ مَا أَرَىٰ، إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ وَ لَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ، وَ إِنَّكَ لَعلىٰ خَيْر 3.
المشهد الثالث: الشكّ والإنكار
وَ لَقَدْ كُنْتُ مَعَهُ صلى الله عليه و آله لَمَّا أَتَاهُ الْمَلأُ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّكَ قَدِ ادَّعَيْتَ عَظِيماً لَمْ يَدَّعِهِ آبَاؤُكَ وَ لا أَحَدٌ مِنْ بَيْتِكَ، وَ نَحْنُ نَسْأَلُكَ أَمْراً إِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنَا إِلَيْهِ وَ