95قال محمّد بن جرير : فوقع لي أ نّ الشيخ صاحب القريحة هو الواجد للهميان فاتبعته - وكان كما ظننت - ونزل إلى دار خلقة الباب والمدخل ، فسمعته يقول :
يالبابة! قالت له : لبّيك يا أبا غياث قال : وجدت صاحب الهميان ينادي عليه مطلقاً فقلت له : قيّده بأن يجعل لواجده العشر فقال : لا واللّٰه ولكنّا نحيله على اللّٰه فأيّ شيء نعمل؟ ولابدّ لي من ردّه فقالت له لبابة : نقاسي الفقر معك منذ خمسين سنة ولك أربع بنات واُختان وأنا وأمّي وأنت تاسع القوم أشبعنا واكسنا ولعلّ اللّٰه يغنيك فتعطيه أو يكافئه عنك ويقضيه . فقال لها : لست أفعل ولا احرق حشاشتي بعد ستّ وثمانين سنة بالنار .
فلمّا كان من الغد على ساعات من نهار ، سمعت الخراساني يقول : معاشر الحاجّ ووفد اللّٰه من الحاضر والباد! من وجد همياناً فيه ألف دينار وردّه أضعف اللّٰه له الثواب ، فقام إليه الشيخ فقال له : يا خراساني! قد قلت لك بالأمس ونصحتك وبلدنا واللّٰه بلد فقير قليل الزرع والضرع ، وقد قلت لك أن تدفع إلىٰ واجده مائة دينار فلعلّه أن يقع بيد من يخاف اللّٰه فقلت : لا فالآن أقول لك : هل تدفع لواجده عشرة دينار فيردّه عليك ويكون له في العشرة دنانير ستر وصيانة ؟ فقال الخراساني : بابا لا نفعل ، ولكن نحيله على اللّٰه عزّوجلّ ثمّ افترقا .
قال محمد بن جرير الطبري فلمّا كان من الغد سمعت الخراساني ينادي ذلك النداء بعينه فقام إليه الشيخ فقال له : يا خراساني! قلت لك أوّل أمس العشر منه وقلت لك أمس عشر عشره فاعطه الآن ديناراً عشر عشر العشر . . .
قال : بابا لا نفعل ، ولكن نحيله على اللّٰه . قال فجذبه الشيخ وقال له : تعالِ إلى داري خذ هميانك ودعني أنام الليل وأرحنا من محاسبتك وظلمك ، فمشى الشيخ وتبعه الخراساني فتبعتهما فدخل الشيخ وقال : ادخل يا خراساني ، فدخل ودخلت ، فلمّا أخذ الهميان وأراد الخروج من دار الشيخ فلمّا بلغ باب الدار تأمّل أمر الشيخ الخراساني فرجع وقال له : يا شيخ مات أبي رحمه اللّٰه وترك ثلاثة آلاف دينار وقال