30بحشود من البشر، وبدأت أعداد مضاعفة من الحجيج تأخذ طريقها عبر الأنفاق سيراً على الأقدام إلىٰ منىٰ، أفرغت مكّة ما فيها من بشر، ويقال: إنّ اسم التروية قد أطلق علىٰ هذا اليوم لأنّ الحجيج كانوا يتزودون فيه بالماء، وادي عرفة كان قفراً بلا ماء، ولكن هذه الصورة قد تغيّرت
كان ماؤها عذباً وشافياً، قادراً علىٰ إرواء كلّ هذه الملايين من الحجيج علىٰ مدىٰ مئات السنين دون أن ينضب، هل هناك تفسير لكلّ هذه المعجزات التي تحدث في هذا المكان؟ ! . . . إنّها تقع في مركز الأرض تقريباً، لذا فإن عروق المياه في بواطن الأرض تتّجه إليها، وهذا الأمر هو أحد خصائص جاذبية المركز في كرة لا تكفّ عن الدوران.
وامتلأت عرفة بالمرافق التي تسع كلّ الحشود، في مثل هذا اليوم ركب الرسول صلى الله عليه و آله ناقته القصواء بعد طلوع الشمس، وتبعته حشود المسلمين في مسيرة مهيبة لم تر الصحراء مثلها، كان في وسطهم وكانوا حوله، وبلال بن رباح يرفع عوداً معلقاً عليه ثوباً ليستر عنه الشمس، فسبحانك ربي أن جعلتنا نعيش هذا المشهد من جديد ونستحضر طقوسه من زمن لا يموت.
ما أروعك يا يوم عرفة، وما أشدّ تأثيرك في النفس، ما من يوم أفضل عند اللّٰه من هذا اليوم، فهو يوم المباهاة، عندما يتباهى اللّٰه بأهل الأرض أمام أهل السماء، وكما الرسول صلى الله عليه و آله فإنه لم ير يوماً أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة، أترك نفسي لأتجوّل في خطوط عرفة التسع، كلّها تتفرع من جبل الرحمة وتصب فيه، كأنّه محور هذه الجموع الحاشدة وقوّتها الجاذبة، ثلّة صغيرة وسط الجبال العاتية علىٰ قمتها نَصْب أبيض، علامة فارقة تضيع وسط حشود البشر الذين يسعون إليها في ملابسهم البيضاء، آلاف من الخيام تمتد في صفوف بلا نهاية، ولكن أكثر الناس بلا خيام، يكفي أن يعلّقوا قطعة من القماش فوق غصن شجرة، أو