52
الحصيلة:
إنّ الواقع التاريخيّ والفقهيّ للحجّ ومناسكه منذ عهد نبيّ اللّٰه إبراهيم الخليل وإلى يومنا هذا مروراً بالعصر الجاهلي والعصر الإسلامي الأوّل وما تلته من عصور يشهد بأنّ هناك إفاضتين في كلّ ما في الإفاضة من معانٍ لغويّة ومفاهيميّة جميلة وأهداف عظيمة: إفاضة من عرفات، وإفاضة من المشعر الحرام، وسياق الآيتين وحرف العطف (ثمّ) - وهي تحمل معنى الترتيب - دليل واضح على أنّ الآيتين المباركتين جاءتا لتقرّرا هاتين الإفاضتين، تكلّفت الآية الأولى الإفاضة من عرفات، فيما تكلّفت الآية الثانية الإفاضة من المزدلفة، وكلا الإفاضتين تستلزم التواجد في كلّ من عرفة والمزدلفة اللّتين ستنطلق منهما الإفاضتان، فأثبت سبحانه وتعالى بهاتين الآيتين إفاضتين ووقوفين ؛ لأنّ الإفاضة لا تكون إلّابعد وقوف ولو بمقدار الذكر، كما يقول السيّد السبزواري.
وأمّا التقديران المذكوران، واحد ذكره الرازي عن جماعة، والآخر ذكره الطبرسي. . . فلا ضرورة لهما ما دام سياق الآية والعطف فيها بثمّ، والرواية المعتضدة برواية كلّ من الإمام الصادق عن الإمام الباقر عن جابر في ذكره لحجّ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله التي ذكرناها، بحيث لا تقوى الروايات الاُخرى من الفريقين على معارضتها بل هي الأقوى سنداً ومتناً، وقول الرازي وهو من كبار المفسّرين: وإذا أمكن حمل الكلام على القول الثاني (الإفاضة من المزدلفة) من غير التزام إلى ما ذكرتم (من تقدير) فأي حاجة بنا إلى التزامه؟ ! وبعيداً عن عطف الشيء على نفسه، وما ذكره الشيخ البلاغي والسيد السبزواري وصاحب كنز العرفان من مناقشات متينة، كلّها تعضد القول الثاني، وهو الإفاضة من المزدلفة.