47وقد أشكل على هذا الرأي بلفظة (حيث) ، وقالوا: إنّ هذا القول، أي القول الثاني، لا يتمشّى إلّاإذا حملنا لفظ (من حيث) في قوله: مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ على الزمان، وذلك غير جائز، فإنّه مختصّ بالمكان لا بالزمان.
وأجاب أصحاب القول الثاني عن هذا الإشكال: بأنّ التوقيت بالزمان والمكان يتشابهان جدّاً، فلا يبعد جعل اللفظ المستعمل في أحدهما مستعملاً في الآخر على سبيل المجاز 1.
هذا، والغالب أن تستعمل حيث ظرف مكان لكنّها قد ترد للزمان، وقد ذهب كلّ من الشيخ البلاغي في تفسيره والسيّد السبزواري في تفسيره إلى أنّ المقصود بهذه الإفاضة هو الإفاضة من المزدلفة إلى منى، لا الإفاضة الأولى من عرفات التي ذكرتها الآية الأولى، وقد استفاد البلاغي مؤيّداً على ما ذهب إليه من رواية جابر، ففي الصحيح عن الصادق عليه السلام والباقر عليه السلام، عن جابر في ذكره لحجّ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: ثمّ غدا صلى الله عليه و آله أي من منى والناس معه، وكانت قريش تفيض من المزدلفة وهي جُمَع «أي لا يقفون في عرفة، فتكون لهم منها إفاضة، بل يقفون في المشعر وتكون منه إفاضتهم» ، ويمنعون الناس من أن يفيضوا منها «أي من المزدلفة يعني أنّهم لا يدعون الناس بعد إفاضتهم من عرفات أن يقفوا في المزدلفة؛ لكي يكون لهم منها إفاضة أيضاً، بل لا يكون لهم إلّاالاستطراق» ، فأقبل رسول اللّٰه، وقريش ترجو أن تكون إفاضته من حيث كانوا يفيضون «أي لا يمضي إلى عرفة بل يمكث في المزدلفة وتكون منها إفاضته» فأنزل اللّٰه عليه ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللّٰهَ يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق في إفاضتهم ومن كان بعدهم، الحديث.
ثمّ يواصل كلامه فيقول: ولا ينبغي الريب في أنّ مرجع الضمير في «منها» هو