87زاكية للّٰهتعالى في دعوتك، متمسكاً بالعروة الوثقى، وطف بقلبك مع الملائكة حول العرش كطوافك مع المسلمين بنفسك حول البيت، وهرول هرولة من هواك، وتبرّأ من حولك وقوّتك، واخرج من غفلتك وزلّاتك بخروجك إلى منى، ولا تتمنّ ما لا يحلّ لك ولا تستحقّه، واعترف بالخطايا بعرفات، وجدّد عهدك عند اللّٰه تعالى بوحدانيته، وتقرّب إليه، واتّقه بمزدلفة، واصعد بروحك إلى الملإ الأعلى بصعودك على الجبل، واذبح حنجرة الهوى والطمع عند الذبيحة، وارمِ الشهوات والخساسة والدناءة والذميمة عند رمي الجمرات، وأحلق العيوب الظاهرة والباطنة بحلق شعرك، وادخل في أمان اللّٰه وكنفه وستره وكلاءته من متابعة مرادك بدخولك الحرم، ودُر حول البيت متحققاً لتعظيم صاحبه ومعرفة جلاله وسلطانه، واستلم الحجر رضا بقسمته وخضوعاً لعزّته، وودّع ما سواه بطواف الوداع، واصف روحك وسرّك للقائه يوم تلقاه بوقوفك على الصفا، وكن بمرأىً من اللّٰه نقيّاً أوصافك عند المَروة، واستقم على شرط حجّتك هذه، ووفاء عهدك الذي عاهدت به مع ربّك، وأوجبته له إلى يوم القيامة، واعلم بأنّ اللّٰه تعالى لم يفرض الحجّ، ولم يخصّه من جميع الطاعات بالإضافة إلى نفسه بقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً 1. ولا شرع نبيّه سُنّةً من خلال المناسك على ترتيب ما شرعه، إلّاللاستعانة والإشارة إلى الموت والقبر والبعث والقيامة، وفضل بيان السبق من الدخول في الجنّة أهلها، ودخول النار أهلها بمشاهدة مناسك الحجّ من أولها إلى آخرها لأولي الألباب وأولي النهى 2.
انتهىٰ كلامه صلوات اللّٰه عليه وسلامه، واغتنموا الفرص يا ضيوف الرّحمٰن ويا حجّاج بيت اللّٰه الحرام، وإنّما يتقبّل اللّٰه من المُتّقين الُمخلصين.