36دليل واضح على ذلك، بل إنّ لدينا أدلّة مخالفة تشير إلى الاكتفاء بأن يُرمى الحصى على الجمرة، وأن يقع في الدائرة التي تتجمّع فيها الحصيات. والواقع أنّ «الجمرة» هي «مجتمع الحصىٰ» ، وليست هي الأعمدة!
وقد اُعدّت هذه الرسالة لتبيّن الأدلّة العلمية لهذه المسألة، ولتكون مورد اطّلاعٍ من قبل فقهاء المسلمين، وليعلم الجميع أنّ هذه الأعمدة لم يكن لها وجود في عصر رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله، ولا في عصور الأئمّة عليهم السلام، بل إنّها معالم وُضِعت بعدئذ في مواضع الجمرات، وقد تُنصب فوقها مصابيح من أجل الذين يضطرّون إلى الرمي ليلاً. ونرجو من القرّاء الأعزّاء كافّة ألّا يتعجّلوا في الحكم على هذه الرسالة قبل الانتهاء من مطالعتها كلّها.
ما هي الجَمرة؟
إنّ أصل وجوب رمي الجمرات - بوصفه من مناسك الحجّ - من مسلّمات أحكام الحجّ وضروريّاته، وهو ممّا اتّفقت عليه آراء جميع علماء الإسلام، ولكنّ المسألة المهمّة في باب رمي الجمرات أن نتعرّف على معنى الجمرة، التي يجب أن نرميها بالحصىٰ، فهل الجمرة هي الأعمدة، التي نقذفها اليوم بالحصىٰ، أو هي قطعة الأرض المحيطة بالأعمدة، أو هي كلاهما، وبالتالي يكفي رمي أحدهما بالحصىٰ؟
إنّ الكثير من الفقهاء سكتوا عن بيان هذا المطلب، بَيْدَ أنّ فريقاً منهم عبّروا بتعابير تشير بوضوح إلى أنّ «الجمرة» هي الأرض المحيطة بالأعمدة، أي قطعة الأرض، التي يتجمّع فيها الحصىٰ عند رميه.
وفي كتب اللغويّين وأحاديث المعصومين عليهم السلام أيضاً إشارات حاكية لهذا المعنىٰ، بل إنّ القرائن تدلّ على أنّ موضع الجمرات لم يكن فيه عمود إبّان عصر رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله وفي أيّام الأئمّة المعصومين عليهم السلام، وكان الحجيج يرمون حصياتهم على قطعة الأرض، حيث يتجمّع الحصى، ومن هنا قيل لها جمرة، أي «مُجتمع الحصىٰ» .