75
« لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ 1
محسن الأسدي
الحجّ دعوةٌ ربّانيّة عظيمة، ونداءٌ سماويّ خالد، ومؤتمرٌ إسلاميّ كبير، وتظاهرةٌ إيمانية رائعة، تضمّ بين صفوفها أجناساً متعدّدة، ومذاهب وطبقات وقوميّات شتّى، جميعاً على موعد واحد، ووادٍ مقدّس، وحرم آمن، وبيت مبارك تهوي إليه أفئدة من الناس.
إنّها جموع مؤمنة، هدفها واحد، مناسكها واحدة، هتافها واحد، تلبيتها واحدة، عبودية خالصة للّٰهوحده لا شريك له، تسليم وولاء للّٰهوحده لا شائبة فيه. .
حقّاً هي حركة جماهيرية لا مثيل لها، تترك بصماتها وآثارها في النفوس، فتزيد المؤمنين إيماناً وتسليماً، فيما تزيد الكافرين عجباً ورهبةً وخذلاناً.
عجباً! ! إنّها عظمة الحجّ
يفيض على الأقطار يُمناً ورحمةً
ويزأر في أذن العتاة ويصخب
صفٌّ مرصوص، وبنيان متماسك يشدّ بعضه بعضاً في فريضة هي محور عباديّ تلتقي عنده منافع دنيويّة ومنافع أخروية، وتتداخل فيما بينها في أكثر من موقع ومفصل في هذه الفريضة المباركة.
إنّ الحجّ محراب عبادة ما أعظمه!
وموسم تجارة ما أنفعه!
ومؤتمر إخاء وتوادٍّ وتعارف ومسؤولية ما أروعه!
إنّه آيةٌ مباركة بل آيات مباركة من سورةٍ مباركة، جاءت لتذكر حِكَماً خمساً للأذان الذي تحمله أو لإتيان الناس هذا الموسم وحضورهم فيه، فكانت المنافع على تفاوت ألوانها وتعدد أشكالها واختلاف أنواعها أُولى هذه الحِكَم. أو هي كما سمّاها بعضهم علّة إتيان الناس الحجّ أو علّة التأذين به 1.
قال تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ* ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ 2.
لقد اكتفى الرازي في تفسيره بأن جعل قوله تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ حكمة الأمر بالحجّ، حيث قال:
وأمّا قوله: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ففيه مسائل:
المسألة الاُولى: أنّه تعالى لمّا أمر بالحجّ في قوله: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ . . .
ذكر حكمة ذلك الأمر في قوله: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ 3.