228لنفسه، لخلق تلك الشعبية الواسعة. فقد كان طيلة حياته بريطانياً غيوراً. وكان كلّ ما يطلبه احترام الجمهور له والمكافآت التي يستحقّها من حكّام البلاد والمسؤولين. ولكي يحرز هذه الاُمور عمل على إنجاز الواجبات التي ربّما أظهرته للعيان. ولكن الأمر المؤسف والمأساوي، من وجهة نظر مواطنه برينث، هو أنّ أحداً لم يفهمه، ولم ينل أي إعجاب أو استساغة من الجمهور، وهكذا فلم تتوفّر له الفرصة لنيل مقاصده 1.
وتظلّ المفارقات تلازم بورتون كالظلّ، فهذا الرجل الذي طرد من أوكسفورد؛ لأنّ زميلاً له سخر من شاربيه، سوف يرىٰ خلال تنقّله في جزيرة العرب أنّ شاربيه الكثّين هما اللّذان حبّباه إلى الناس، حتّى إنّ أحد مشايخ بني حرب سمّاه «أبو الشوارب» ! على أنّ ذروة أعماله سوف تظلّ، في العرب طبعاً، ذلك الوصف الذي وضعه لمكّة المكرّمة ولحظة الانبهار أمام الكعبة 2.
إنّ ما يثير الغرابة في حياة بورتون هو أنّ نجاحه الخالد غير المشكوك فيه، كان مؤسّساً على اعتقاد جازم بأنّه أوّل رجل اوروپي دخل إلى (مكّة) وأنّ هذا الاعتقاد كان مجرّد خيال محض.
ولم يكن بورتون هو الذي عزّز ورعىٰ هذا الاعتقاد فهو عند وصفه لذلك المكان القدسي (أي مكّة) اعتمد كلّياً وبصراحة وإعجاب على عمل ذلك السويسري بيركهارت. فلم يكن بورتون أوّل شخص يقوم بأداء مناسك الحجّ متخفّياً بل لقد رأينا كيف أن دومينگو باديا ليبلش قد وصل في العقد الأوّل من القرن التاسع عشر إلى مكّة راكباً ظهر جمل، ومنتحلاً اسم «علي بك العبّاسي» . ولربّما كان أوّل مصدّق لتلك القصة، التي تقول: إنّ بورتون هو أوّل من قد دخل مكّة، هو وزوجته الليدي بورتون، التي كانت من خلال ترمّلها، قد صمّمت على وضع زوجها السير ريتشارد بورتون في المكان الملائم لكفاءاته. . 3.
إنّ الليدي بورتون هي التي تحاول الإيحاء بذلك، في مقدّمة النسخة التذكارية لكتاب الحجّ، والتي تتألّق