149
منهج الرشاد لمن أراد السداد
مقدّمة المؤلّف
الحمد للّٰهالذي تفرّد بالأزلية والقِدم، واشتقّ نور الوجود من ظلمة العدم، أسّس قواعد الشرع على وفق المصالح والحكم، وفضّل أُمّة محمّد صلى الله عليه و آله على سائر الاُمم، وأنزل القرآن فيه آيات محكمات هنّ اُمّ الكتاب وأُخر متشابهات، وحذّر عن اتّباع الملاذ والشهوات، وأمر بالوقوف عند الشبهات، وأنذر عن متابعة الآباء والاُمّهات، والصلاة والسلام على من قدَّمه على جميع أنبيائه، وفضّله على كافّة أصفيائه، (محمّد) المختار، صلّى اللّٰه عليه وعلى آله، ما أظلم ليل، وأضاء نهار.
أمّا بعد: فقد ورد - إلى المقصّر مع ربّه، التائب إليه من ذنبه، الطالب من اللّٰه السداد، (جعفر) أقلّ طلبة أهل (بغداد) - كتاب كريم، مشتمل على كلمات كالدرّالنظيم، ممّن لم يزل بالمعروف آمراً، وعن المنكر ناهياً زاجراً، الآمر بعبادة المعبود، الشيخ عبد العزيز بن سعود 1. فلمّا نظرته وتدبّرته وتأمّلته وتصوّرته، خلوتُ في زاوية من الدار، وتصفّحته تصفّح الإنصاف والاعتبار. وقلت متّهماً لنفسي بالميل إلى العصبية والعناد، والركون إلى ما عليه الآباء والأجداد: يا نفس اِعرفي قدر دنياك، واحذري شرّ من أغوى أباكِ، لقد تخلّيت عن نعيم الدنيا بحذافيرها، وقنعت بقليلها، ولو بقرص شعيرها، وتجنّبت دار العزّة والوقار، واخترتِ العزلة والخمول في هذه الديار.
فلو كنتِ في كبار البلدان، من ممالك بني (عثمان) ، أو في بعض بلدان فارس وإيران، لجاءت إليك الدنيا من كلّ جانب ومكان، ونلتِ من النعيم ما لم ينله إنسان، فاحذري أن تكوني مع الإعراض عن هذه النعم الفاخرة، ممّن قد خسر الدنيا والآخرة.