199ما صدقوا. . . لهذا نراه - قد ركب المركب الصعب - يصارع هاتين النزعتين: نزعة الطغيان لدى الحكام المستبدين والأغنياء المترفين، ونزعة الخنوع والصغار في الأمة. فراح يلاحق الحكام والمترفين ويعلنها بلا هوادة صرخةً مدويةً عاليةً كاشفةً بذخهم وتعاليهم وكبرياءَهم وبعدهم عن اللّٰه وشرائعه. . . ويبشّرهم بعذاب أليم. .
وأيضاً راح يلاحق الأمة ليوقظها من سباتها ويشحذ هممها المعطلة؛ لكي تقف أمام المترفين حكاماً وأفراداً لتقيلهم عن طريقها، وتبعدهم عن مسيرتها، وإلّا حلّت بها الكارثة واستحقت القارعة.
وراح صوته هذا مدوّياً عبر القرون، وغدا اُنشودةً تردّدها شفاه الثوار جيلاً بعد جيل. إنه أبو ذر الغفاري. «يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده» .
* * *
معأنّ الاختلاف وقع فيتسميته، فهوبرير بنجندب، وهوبريربنجنادة، وهو جندب بن عبداللّٰه، وهو جندب بن السكن أو جنادة بن السكن، وهو يزيد بن جنادة 1.
إلّا أنّ جندب بن جنادة هو الاسم الذي عرف به، وهو بعد ذلك ابن سفيان ابن عبيد من بني غفار، من كنانة ابن خزيمة الحجازي، بينما ساق ابن سعد في طبقاته نسبه الى غفار بن مُليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة؛ لينتهي به الى خزيمة ابن مُدركة ابن إلياس بن مضر بن نزار.
هذا أبوه ونسبه، وأما أمّه فهي رملة بنت الوقيعة أو الرقيعة وهي أيضاً من بني غفار 2.
كنيته: «أبو ذر» و لقبه «الغفاري» وقد اشتهر بهما، وطغى على اسمه الذي بات لا يعرف إلّاعند الخاصة.
وأما صفاته فقد كان أدمَ ضخماً جسيماً كث اللحية والشعر وقد غلب عليه