137عليهم حتىٰ أدعوهم وأكلمهم وأنظر ما أمرهم، قوم لَجأُوا إلىٰ بلادي، واختاروا جواري علىٰ جوار غيري، فإن كانوا كما تقولون رددتهم عليهم، وإن كانوا علىٰ غير ذلك منعتهم، ولم أدخل بينهم وبينهم، ولم أنعمهم عيناً فأرسل إليهم النجاشي فجمعهم - ولم يكن شيء أبغض إلىٰ عمرو بن العاص وعبداللّٰه بن أبي ربيعة من أن يسمع كلامهم - فلما جاءهم رسول النجاشي اجتمع القوم فقال: ماذا تقولون؟ فقالوا: ماذا نقول؟ ! نقول واللّٰه ما نعرف وما نحن عليه من أمر ديننا، وما جاء به نبينا صلى الله عليه و آله كائن من ذلك ما كان، فلما دخلوا عليه كان الذي يكلمه منهم جعفر بن أبي طالب، فقال له النجاشي:
ما هذا الدين الذي أنتم عليه؟ فارقتم دين قومكم، ولم تدخلوا في يهودية ولا نصرانيه، فما هذا الدين؟
. . أيها الملك كنّا قوماً على الشرك، نعبد الأوثان، ونأكل الميتة، ونسيء الجوار، ونستحلّ المحارم. . وغيرها، لا نحلّ شيئاً ولا نحرّمه، فبعث اللّٰه إلينا نبياً من أنفسنا نعرف وفاءَه وصدقَه وأمانتَه، فدعانا إلىٰ أن نعبد اللّٰه وحده لا شريك له، ونصلَ الرحم، ونُحسِنَ الجوار، ونصلّي للّٰهتعالىٰ، ونصوم له، ولا نعبد غيره، فقال:
هل معك شيء مما جاء به؟ وقد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله، فقال له جعفر: نعم، فقال: هلمّ فاتلُ عليَّ ما جاء به. فقرأ عليه صدراً من كهٰيٰعص فبكىٰ واللّٰه النجاشي حتىٰ أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتىٰ أخضلوا مصاحفهم. ثم قال: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى؛ انطلقوا راشدين، لا، واللّٰه لا أردهم عليهم، ولا أنعمكم عيناً، فخرجنا من عنده، وكان أتقى الرجلين فينا عبداللّٰه بن أبي ربيعة، فقال عمرو بن العاص: واللّٰه لأثنينه غداً بما أستأصل به خضراءهم 1. فلأخبرنه أنهم يزعمون أن إلهه الذي يعبد عيسىٰ بن مريم عبد.
فقال له عبداللّٰه بن أبي ربيعة: لا تفعل. . فإنهم إن كانوا خالفونا فإن لهم رحماً