126جزيرة العرب، فإنهم قد فشلوا في النفوذ إلى الداخل، وارتدت سفنهم مدحورة من أمام عدن وجدّة. وكانت غايتهم من السيطرة على الداخل أن يؤمّنوا الطريق البرّي إلى الهند أيضاً، كما أنّهم كانوا يحلمون بالاستيلاء علىٰ جثمان النبي الكريم صلى الله عليه و آله في المدينة؛ ليطلبوا عندها تسليمهم كنيسة القيامة فديةً له 1.
ونظرة متأنية لرحلة «قارتيما» ، وبكل مداخلاتها وخلفياتها وظروفها السياسية والدينية والاقتصادية، فضلاً عن وضع قارتيما الشخصي وعلاقاته مع أرباب السلطة والكنيسة. . كل ذلك يثبت لنا أن مهمّة قارتيما كانت تصبّ، وفي العمق، بالمخطط الصليبي عموماً والبرتغالي علىٰ وجه الخصوص.
وما تظاهره باعتناق الإسلام، ومن ثمّ تظاهره بالجنون في وقت لاحق. . إلّا جزء من مستلزمات المهمّة الخطيرة التي كان يقوم بها.
. . ما بعد «قارتيما»
علىٰ أن خطة احتلال المدينة المنوّرة، وتأمين طريق الهند لم تظل فكرة مجرّدة، أو رغبة جامحة تداعب الخيال الصليبي، بل تحوّلت إلى التنفيذ، وخلال فترة قياسية، ففي عام 1513م، أي بعد ثلاث سنوات فقط من عودة «قارتيما» إلى لشبونة، حاول الأميرال البرتغالي «الفونسودي البوكرك» حل تلك المشكلة بضربة فاصلة. ورغم فشل هجومه علىٰ عدن، لكنّه أبحر متقدّماً إلى البحر الأحمر، وكان عقله مشحوناً بأفكار جهنميّة. فكان تخطيطه أن يحتل المدينة المنوّرة ومعه جماعة من الغزاة، ويستولي علىٰ تابوت النبي محمد صلى الله عليه و آله ويطالب بفديته، ويعلن أن ثمنه هو كنيسة بيت المقدس، ثمّ يهجم هجوماً ساحقاً علىٰ ضفاف النيل، وهنالك يبني سدّاً ويحوّل مجرى النيل إلىٰ بلاد الحبشة المسيحية! وهكذا وبضربة معلّم سوف يعمل علىٰ جلب الثروة إلى الحبشة وإفقار مصر المسلمة.