42الإحياء الحقيقي. . ولكن لما لم تنفذ رسالة الحج علىٰ عموم المجتمع البشري يبقىٰ لنا في المنظور، على المدى البعيد الكثير من إشكاليات تحويل المستويات بكاملها إلىٰ مستوى الصوت والشكل الواحد. . . بمعنىٰ أن هناك اشكاليتين متقابلتين لم يتطور إلىٰ واقع وعي ومنهج ومعالجة هما: أن بعض قوانين تجربة الحجّ لم تكن في مقدور الجماعة البشرية والمسلمين خاصة أن يتفهموها، والأخرىٰ أن الحاج وقوانين موسم الحج لم يكن بمقدورهما أن يستوعبا فهم قوانين الاجتماع البشري حتى الآن.
تبقىٰ حالة مستوىٰ أداء المناسك القمة في تجربة استدعاء المستويات الخمسة السابقة إلى التوليف والائتلاف، وإذا كانت مناسك الحج حظيت بمقام خاص ومتميز في التشريع لأمكنتها أجوائها، وأصالة وجودها التاريخي وقدسية الأثار فيها، توفر للجماعة الإسلامية والإنسانية خارطة مكانية متنوعة منسجمة مع الأبعاد التكوينية على الأرض وحول البيت الحرام، فإن خارطة المشاهد في المناسك تقترح على الجماعة بيوتاً أخرىٰ كالبيت الحرام في أي أُفق مكاني « في بيوت أذن اللّٰهُ أن ترفع ويذكر فيها اسمه» 1. وتقترح المناسك الزينة التي منعت في الحج أن تكون علىٰ أجملها وأروعها في أي مسجد وبيت « يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجد. . .» 2وكذلك جهزت الناس بالبلدان الآمنة بعدما حدّد أولاً الأمن بالبيت الحرام فأصبحت مكة بلداً آمناً « وهذا البلدِ الأمين» 3.
فتجربة الولوج إلى الميقات وترديد الدعاء ابتداءً منه وحتى الانتهاء من المناسك تدعوا إلىٰ عملية اجتماعية تشترك فيها كلّ عناصر الطبيعة والاجتماع والتاريخ، وأول خطّ يواجه الاختبار هو خطّ عودة الحاج من المناسك، ومعنىٰ هذا إحداث مقارنة حيّة، فالذاكرة هنا تحمل مستويات متعددة الدلالة لأمكنة