40الإنسان الحاج فكرة الانفراط بين الإنسان وأشيائه الدنيوية. فالتجرّد المقصود في الدعاء والحج ليس إقصاء ما هو دنيوي ترابي أرضي إنساني، فهذا ما يواجهه بكلّ حسية وبطريقة جمالية ممتعة في رمزية الأشكال والأشياء في المناسك. .
وانطلاقاً من وحدة الزماني والمكاني في بوابة الميقات، بل التجرد هو تحريك كلّ ماهو دنيوي إنساني بعيد عن النواقص والنقائض، ودمجه مع مكملاته الأخرى التي سوف تترافد في مسيرة المناسك، واعتماد تشكيلة رمزية للجميع ودفعها في ساحة الكعبة؛ لتمارس أعنف وأجمل تمارين السباحة الكونية والتلاقي مع جذبات جواهرها الساكرة في العلو، والتي إلىٰ ما قبيل الحجّ والميقات كانت تعاني من عوازل وعازلات مصطنعة سميكة ناتجة من عدم اقتراب الزمان إلى المكان والذي يتكفل «الميقات» بالتقريب بينهما في حالة الاستعداد النفسي للورود داخل البيت الحرام.
من هذه الأرضية، ومن هذه التسامت بين الإنسان وأشيائه يحرّك لنا الدعاء طيفاً من الشعور الحرّ، لا ليجرد الأشياء عن أشكالها المادية الحسّية، كما هو شأن المألوف عن التجرد المثالي، وإنما في اكتشاف الخيوط الرابطة الدقيقة المبعثرة، وضبطها من جديد ونسجها بكيفية أخرىٰ أمثل للحس، ونظراً لاعتبار الحجّ وقفة عبادية سنوية، وأن فيها تتلامس وتتجاور الألسنة والدماء والأمزجه والمذاهب والقناعات فإنه وعبر تكراره في حياة الأجيال يحتوي علىٰ بنيوية شاملة تظم من الخارج منظومة كبيرة من الأصوات، وينبثق فيها من الداخل وبالضرورة صوت واحد.
ومهما يكن فإن التركيب بين الأصوات والأمزجة والألوان والانتماءات في وحدة أداء الحجّ لم تكن عملية سهلة يمكن اتقانها ومن ثم تكرارها في يوم أو شهر أو سنة، لكنها تميل إلى الانتظام والاتساق والتوافق على المدىٰ، وفي فرصة