33الشعور الاجتماعي والفردي.
لانتحدث هنا عن كشوفات الإسلام علىٰ صعيد التشريع الخاص بالإطار العام للفريضة، وإنما نختصر علىٰ جانب واحد من جوانب الإبداع فيها.
فأُسلوبية الإبداع من طبعها أن تحتوي الموروث والتقليدي، وتصّبه في قوالب جديدة ممتعة تنعكس فيها تجربة المبدع ورؤيته الجمالية وهدفيته وهو قضيته في الحياة والجماعة والواقع. . من أجل مل الفراغات وإشباع العواطف، ولتتوائم مع الإحساس والتطلع والنزوع الكوني.
ويبرز المكان في الحجِّ ومناسكه كأحد أهم الصور الجمالية التي تعكس عناية الإسلام بالنصّ وبالصورة الذهنية، إذ تتبرعم لنا المناسك - وفي حالة الأداء الجماعي الواحد - علىٰ شكل مشاهد أخاذة، يكون فيها الجمال حالة حياة لها، إلىٰ حدّ أن جعل الإبداع الإسلامي في الحجّ للجمادات استحقاقاً وحرمة، وتطالعنا في الوصف لوحة رائعة لأمير المؤمنين عليه السلام وهو يصف البيت الحرام (. . . ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجراً، وأقل نتائق الدنيا مدراً. . . بين جبال خشنة، ورمالٍ دمثة. . . ثم أمر آدم عليه السلام ووَلَدَهُ أن يثنوا أعطافهم نحوه. . . تهوي إليه ثمار الأفئدة. . .) 1.
أسلوبية الإبداع، هي التي ساعدت التشريع الإسلامي على الانطلاق إلىٰ أخصّ خصوصيات النفس الإنسانية وغوامضها القصّية، كما لم يكن قبول الآثار والتطبيقات العملية للتشريع فكرة قد تمّت بعيدة عن قطب الإبداع بمعية الاكتشاف، ولولا الابداع لما كانت عبادة الصلاة ومعركة الذات في المحراب والصوم والزكاة والجهاد والحجّ، وما تنطوي عليها من الزامات ومكابدات وممنوعات وتضحيات ومعاناة أعمالاً مأنوسة جميلة، ويتهاتف معها بغرام فريد مقدس، يتحول فيها كل شيء إلىٰ لذةٍ مشوّبة بسرور فيّاض. . . يعيش معها