126الحديث عن نشأة وتطور العلوم الاسلامية 1. وهذا لا يعني أننا نذهب إلىٰ ماقاله بعض الباحثين في رد تمام ما يزخر به التراث الاسلامي من معارف وفنون إلى التشيع ونفي مساهمة بقية فرق المسلمين، فإن المسلمين بأسرهم كان لهم نصيب في ابداع هذه المعارف وتنميتها، إلّاأن العطاء العلمي للتشيع يظل متميزاً كما وكيفاً، ولاسيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار الوضع الأمني والسياسي الذي عاشه الشيعة في مختلف فترات التاريخ. ولأجل بيان شيء من آثار هذا العطاء سنتحدث بايجاز عن المراكز العلمية للتشيع بالحجاز وموقعها الريادي في نشأة وتطور العلوم الاسلامية.
المدينة المنورة:
المدينة هي الرحم الذي ولدت فيه بذرة التشيع، واحتضن الجيل الأول من شيعة الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام، وتواصل توطن أئمة أهل البيت عليهم السلام فيها إلىٰ الامام الحسن العسكري عليه السلام، ولم يغادرها أحد منهم إلّالضرورات سياسية أو عسكرية أو علمية أو أن يستقدمه السلطان الجائر فيسيّره إلىٰ بغداد أو سامراء.
إن تراث أهل البيت وعلوم الإمامة فاضت من المدينة إلىٰ بقية الأمصار بعد انتشار التشيع في شتىٰ أقاليم الدولة الإسلامية آنذاك، وكان المسجد النبوي هو المركز العلمي الأهم الذي عقدت تحت سقفه الحلقات الدراسية الأولىٰ عند الشيعة، وشهد هذا المسجد منذ تأسيسه إلىٰ عدة قرون تعاقب مجموعة كبيرة من التلامذة، الذين انخرطوا في حلقات الأئمة عليهم السلام وأصحابهم ثم العلماء الشيعة في فترات لاحقة. فبعد غياب الرسول صلى الله عليه و آله عن المسرح مكث الإمام علي عليه السلام نحواً من ثلاثين سنة أمضىٰ معظمها في المدينة ماخلا نحو خمس سنوات في الكوفة -