124الكتاب والحكمة « . . ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. .» 1، هذه المهمة التي باشرها النبيّ منذ اليوم الأول الذي بُعث فيه، وواصلها بدأب ومثابرة حتىٰ آخر لحظة في حياته الشريفة.
لقد اتخذ النبيّ بعد بعثته من بيته ما يشبه المدرسة يعلم فيها ثلة قليلة ممن آمن به وصدقه في دعوته تعاليم دينه الجديد، وما ينطوي عليه من عقائد ومفاهيم وأحكام، ثم انتقل إلىٰ دار الأرقم بن أبي الأرقم، وصارت هذه الدار الواقعة بمكة على الصفا بمثابة مدرسة للدعوة، يجري فيها إعداد وتأهيل المسلمين الأوائل بشكل سري، خشية من تنبه قريش واجهاضها الدعوة قبل أن تقوىٰ شوكتها.
واستمرت هذه الدار تستقبل المؤمنين الجدد ليتعلموا فيها تعاليم الاسلام، (فلما تكامل عددهم أربعين رجلاً خرجوا) 2وانطلقت الدعوة الى المرحلة العلنية لتنفتح علىٰ كل الناس وتجهر عالياً بعقيدة التوحيد. ومع اتساع نطاق الدعوة ضاقت بها دار الأرقم فخرجت تبحث عن أماكن أخرىٰ، فاحتضنتها دور المسلمين الأوائل في مكة، وسعىٰ هؤلاء المسلمون لاتخاذ البيت الحرام منطلقاً لرسالتهم وقتئذ، بيد أن خصومهم من المشركين أصروا على الحيلولة بينهم وبين الإفادة من البيت الحرام كمدرسة لتعليم القرآن والدعوة إلى الدين الجديد، وقد نقلت لنا كتب السيرة صوراً متنوعة من التعذيب والاضطهاد الذي لاقاه المؤمنون من قريش في مكة 3.
وبعد احتدام الصراع بينالمسلمين والمشركين في مكه اضطر الرسول صلى الله عليه و آله و سلم للهجرة إلىٰ المدينة المنورة بمعية المسلمين، وكان قد سبق ذلك بسنوات هجرة طائفة من المسلمين إلى الحبشة فراراً من أذىٰ قريش، وبحثاً عن أرض جديدة للدعوة. وفي دار الهجرة دخلت الدعوة مرحلة جديدة حققت فيها مكاسب