211فهذه الآيات التي نزلت في السنة التاسعة من الهجرة تنبئ عن موقف إسلامي متشدّد اتجاه مشركي الجزيرة، كما أن الأخبار التي تحدّثت عن أن النبيّ صلى الله عليه و آله في أواخر حياته أمر بإخراج أهل الكتاب من الجزيرة تنبئ - أيضاً - عن موقف إسلامي خاص بهم.
فكيف ينسجم المفهوم السلمي للحج في بُعده المكاني مع هذه المواقف المتشدّدة؟
هنا نحتاج إلى البحث في أصل الموقف الإسلامي من هاتين الطائفتين مرّة، وفي المتشدّد مع من كان منهما في الجزيرة العربية مرّةً أُخرى.
ففي المرّة الأولى نرى أن ذلك الموقف يرتبط بجوهر النظرة الإسلامية للحياة الإنسانية، وأُسس الموقف الإسلامي من الديانات الأخرى، فالإسلام - خلافاً للعلمانية الحديثة - يرى أن قضية الإيمان والتوحيد تمسّ جوهر الحياة الإنسانيّة. فكما لا أهميّة للبدن من غير روح، كذلك تفقد الحياة واقعها المعنوي إذا ابتعدت عن الإيمان الذي يعطي لحركة القلب والعقل الاتجاه الصحيح، ويروي ظمأ الروح، قال تعالى:
« يا أيها الذين آمنوا استجيبوا للّٰهوللرسول إذا دعاكم لما يحييكم. .» 1.
ولذلك يتّخذ الإسلام من التوحيد قاعدة لحضارته، ويرى ضرورة نشر هذه القاعدة لتستوعب الكرة الأرضية برمتها حيثما وُجد الإنسان، ويعدّ ذلك مبدأً تفوق أهميته أهميةَ مبدإ الحريّة الإنسانيّة، التي يؤمن بها الإسلام أساساً، ولكنه لا يجد مناصاً من التخلي عنها عندما تتعارض مع قضية الإيمان. فيرى ضرورة نشر التوحيد في الأرض، وإزالة الموانع السياسية والاجتماعية التي تحول دون تقدمه، أو تشكّل خطراً عليه في الأرض.
وإذا كانت الحضارة المعاصرة في مستواها النظري تبدو غير متفقة مع