197
وقفة: هذه الوقفة مع شعر مضاض بن عمرو الجرهمي المتقدم. فقبل مدة ألقى أحد الأساتذة الكرام محاضرة كرر فيها أن عمر الشعر العربي لا يزيد عن (200) سنة! قبل البعثة النبوية علىٰ أكثر تقدير. ويقول هذا المحاضر (وعساه يعي ما يقول) وكان ذروة مجد الشعر ذلك البيان الذي نجده في القرآن! لما تركته المعلقات من مفردات راقية، أي أن بلاغة القرآن - علىٰ حدّ تعبير هذا المحاضر - ما كانت لتصل إلى هذا المستوى لو لم يترق الشعر! ولن نناقش هذا الزعم الباطل يقيناً. إنما الذي نريد أن نناقشه قوله: إن أول من هلهل الشعر وهو المُهَلْهِل بن ربيعة خال امرئ القيس، فأورثه شعره وعلىٰ يد امرئ القيس سما الشعر. أه.
قلت: هذا منحى نحاه بعض المتقدمين رحمهم الله كقولهم: فتح الشعر بأمير وختم بأمير. أي فتح بامرئ القيس وختم بأبي فراس الحمداني، ولا زال الشعر حياً يغنى رغم القرون التي مرّت علىٰ موت أبي فراس. وكانوا يجادلون في من هو أشعر الناس. ولكنهم كانوا يقصدون أشعر الناس في زمانهم. وحتىٰ بعض المتأخرين قال: ختم الشعر بشوقي ولم يختم بعد. والمهم في موضوعنا المقارنة بين زمن مضاض والمهلهل.
فالمصادر تقول: إن المهلهل عاش نحو (570) م أي قبل الهجرة بخمسين سنة. ومُضاض قبل الهجرة بسبعمائة سنة تقريباً، ذلك أن خزاعة وليت البيت بعد جرهم خمسمائة سنة، وبين قُصَيّ وبين الرسول ( صلى الله عليه و آله) بمائتي سنة، كل هذا بالتقريب. وهذا شعر مضاض أمامنا من شعر البلدانيات والتشوق الجيد، وهو بالتأكيد ليس بدعاً عليه بل نتيجة مسيرة طويلة.
ولجرهم شعر آخر:
لهُمّ إن جُرهماً عبادُك
الناس طَرْف وهمُو تلادُك
فإلى أخي ذلك المحاضر الذي تكرم وأرسل إليّ نسخة من المحاضرة وإلى