188المؤمنين وجدّة جميع المنتسبين إلى الرسول بأنهم من أبناء ابنته فاطمة وابن عمّه علي بن أبي طالب. ولقد سُوِّى هذا القبر بالأرض كما سويت سائر القبور بأمر الوهابيين. وتقدمنا خطوتين بعد ذلك إلى قبور، قال الحارس: إنها قبور جَدّي الرسول: عبد المطلب وعبد مناف وعمه أبي طالب. ثم أشار إلى قبر ذكر أنه قبر أُمّه آمنة. ولم يدهشني ما ذكره عن قبر آمنة مع علمي أنها توفيت ودفنت بالأبواء بعد الذي ذكره أهل مكّة عن هذه الآثار وقيمة سندها من التاريخ.
فالقول بوجود قبر آمنة في هذا المكان إنما كان يقْصَد به الى الاستزادة مما يدفعه الحجاج أثناء زيارتهم هذه القبور للتبرّك. . . وآن لنا أن ننصرف من المقبرة، فاستوقفنا الحارس إذ مدّ يده ممسكاً بها قطعة من القاشاني الأخضر الجميل اللون زينت أطرافها بنقش فني دقيق وقال: «هذه قطعة من جدار القبة التي كانت على قبر السيدة خديجة» فقد كان على قبر خديجة قبة شاهقة بارعة الجمال، يذكر المؤرخون أنها بنيت في السنة الخمسين والتسعمائة من الهجرة أثناء ولاية داود باشا بمصر، وأن الذي بناها أمير دفاتر هذا الوالي الأمير الشهيد محمد بن سليمان الجركسي. وقد أزال الوهابيون هذه القبة فيما أزالوا من القباب أوّل دخولهم مكّة إرضاء لهوى إيمانهم، ثم بقيت صورتها الشمسية تشهد بأنها كانت آية بارعة في فنّ العمارة براعةً تصدّ من يفهم هذا الفن عن أن يصيبها بسوء.
وكانت إلى جوارها قباب لجدّي النبيّ عبد المطّلب وعبد مناف ولعمّه أبي طالب، بذلك كانت هذه المقبرة بِدْعاً يعشقه من يحبون جمال الفن، وكان الناس يزورونها إجلالاً لهذه القِباب، وتبركاً بذكرى ساكنيها. أما اليوم فلا يفكر أحد في القباب وقد أزيلت، ولا يزور أحدٌ القبورَ وقد حيل بين الناس وبينها بهذا الجدار الذي يصدّهم عنها. على أنهم ما فتئوا يحضرون اليوم كما كانوا يحضرون من قبل فيقفون عند هذا الحاجز الذي تخطيناه قبل أن نصعد سفح الجبل فيقرأُون الفاتحة