86بلاءً حسناً في صدر الإسلام، وجاهدوا بكلّ ما لديهم من قوّة لأجل إعلاء كلمة الإسلام، حتى قال الشيخ المامقاني: فالرجل فوق مرتبة الوثاقة والعدالة 1.
وحاولت في هذه الرسالة أن أعتمد على مصادر الفريقين، ليخرج البحث متكاملاً.
اسمه ونسبه وصفته:
عثمان بن مظعون - بالظاء المعجمة - بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، الجُمحي القرشي، ويكنّى أبا السائب 2.
وكان شديد الأدمة، ليس بالقصير ولا بالطويل، كبير اللحية، عريضها 3.
وقيل: كان عثمان بن مظعون أخا النبي صلى الله عليه و آله و سلم من الرضاعة 4.
ولادته:
ولد في عصر ملؤه الجهل وانحطاط القيم الإنسانيّة، في عصرٍ كان يسوده الظلم والجور، وعدم مراعاة حقوق الإنسان، لكنه - رضوان اللّٰه عليه - لم ينخرط في سلك أهل عصره، بل جعل عقله قائده وراشده، وسلك في حياته مسلك العقلاء والحكماء، حتّى قيل:
إنه كان من حكماء العرب في الجاهلية 5.
تحريمه الخمر في الجاهليّة:
وممّا يدلّ على حكمته قبل الإسلام، وسموّ عقله، ما اتفق عليه أصحاب السير والتاريخ من أنه حرّم الخمر على نفسه في الجاهلية وقال:
لا أشرب شراباً يذهب عقلي، ويضحك بي مَن هو أدنىٰ منّي، ويحملني على أن أنكح كريمتي، أو:
ويحملني على أن أُنكح كريمتي مَن لا أريد.
وقيل: إنه لمّا حرّمت الخمر، أتي وهو بالعوالي، فقيل له: يا عثمان قد حرّمت الخمر، فقال: تبّاً لها، قد كان بصري فيها ثاقباً 6.
وتنظّر البعض في ذيل الكلام، وهو: وقيل إنه لمّا حرّمت الخمر أتي وهو بالعوالي. . . ، وذكروا وجه النظر بأنّ آية التحريم نزلت بعد وفاة عثمان.
وأقول: عند أكثر أهل السنة أن الآية الثالثة في تحريم الخمر تدلّ على التحريم، والآية الأولىٰ والثانية لا يستفاد منهما التحريم، وعند الشيعة أن الآية الأولىٰ تدل على التحريم، والثانية والثالثة مؤكدتان للحكم، فلعلّ القول بأنه لما حرّمت الخمر قيل لعثمان: يا عثمان قد حرّمت الخمر فقال:
. . . ، ناظر إلى الآية الأولىٰ، واللّٰه العالم.