66بمثل هذا الجمع؟
فيضجون إلى اللّٰه - تعالى - أن يستجيب لدعائها وسعيها، وأن يستنزل سعيها ودعاؤها رحمةَ اللّٰه - تعالى -، وتقرب رحمة اللّٰه حتى تكاد أن تنطبق السماء على الأرض.
لقد صعد يومئذ عمود من الدعاء، والعمل الصالح من الأرض إلى السماء، ونزل عمود من الرحمة من السماء إلى الأرض واتّصلت الأرض بالسماء، والسماء بالأرض، وحشود الملائكة يشهدون هذا المشهد الفريد، ويضجون إلى اللّٰه تعالى، ويتضرعون، فيحدث ما ليس بالبال ولا الخيال، وتنفجر الأرض تحت أقدام الرضيع ماءً بارداً زلالاً شفافاً هنياً.
وسبحان اللّٰه، والحمد للّٰه، لقد استجاب اللّٰه لسعيها ودعائها، ولكن لا حيث سعت، وإنّما تحت أقدام الرضيع، الذي كان يضرب بيديه ورجليه ظمأً يومذاك، ليعلمها اللّٰه أنه تعالى هو وحده الذي رزقها هذا البارد العذب في هذه الرمضاء وفي هذا الهجير، وليست هي التي حققت ذلك بسعيها وحركتها. . . وإن كان لابد لها من أن تسعى وتتحرك ليرزقها اللّٰه تعالى زمزم.
ففجر اللّٰه (زمزم) تحت أقدام الرضيع، وأقام اللّٰه - تعالى - في ذلك الوادي بيته المحرم، وبارك في زمزم، وجعل منها سقاية الحاج مدى الأجيال، وثبت اللّٰه هذا السعي والدعاء في ذاكرة التاريخ، وجعل منه شعيرة من شعائر الحج، يحذو فيها حشود الحجاج كلّ عام حذوها، ويحيّون فيها من بُعد أمّهم هاجر وأباهم إبراهيم وإسماعيل.
لقد اجتمعت في هذا الوادي - يومذاك - ثلاثة أسباب من أسباب نزول رحمة اللّٰه تعالى: الفقر والسعي والدعاء . . .
فقر في أقصى درجات الضعف والفاقة، وسعي في قوة وحزم وعزم، ودعاء في تضرع وانقطاع واضطرار.
وفي الحجّ نحيي نحن كلّ عام هذا المشهد؛ لنتعلم من أمّنا أمّ اسماعيل عليها السلام كيف نطلب رحمة اللّٰه - تعالى - وكيف نستنزل فضله ورحمته، وكيف نغرف من رحمته ونتعرض لها.
الهوامش: