56وعجزهم وضعفهم وحاجتهم حتى من غير سؤال وطلب ودعاء، ومن غير وعي منهم لحاجتهم وفقرهم.
إن هذه العلاقة من أسرار هذا الدين، وهي من أسرار هذا الكون وقوانينه، وما لم يفهم الإنسان هذا القانون في الكون، وفي علاقة الإنسان باللّٰه - تعالى - لا يستطيع أن يدرك طائفة واسعة من معارف هذا الدين وأسراره.
وكم من مريض تماثل للشفاء برحمة اللّٰه من غير سؤال «وإذا مرضت فهو يشفين» 1وكم من فقير جائع رزقه اللّٰه - تعالى -، وأطعمه من جوع من غير سؤال ولا دعاء. وكم من مضطر في لجج البحار، أو تحت الانقاض، أو تحت طائل السيوف أو في وسط الحريق أدركته رحمة اللّٰه - تعالى - وانقذته من غير سؤال ولا دعاء. وكم من ظمآن بلغ به الظماء مبلغاً استنفد مقاومته، فأدركته رحمة اللّٰه - تعالى - وأروته من غير سؤال ولا طلب. وكم من إنسان واجه الأخطار، وكان قاب قوسين منها وهو يعلم أولا يعلم، فجاءه (ستر اللّٰه) فانقذه منها. وكم من إنسان وصل إلىٰ طريق مسدود في حياته ففتح اللّٰه - تعالى - عليه ألف طريق وطريق، وكل ذلك من غير سؤال ولا طلب ولا دعاء، بل دون أن يعرف صاحبُه اللّٰه كثيراً، فضلاً من أن يعرفه فلا يطلب منه، وكم من رضيع تدركه رحمة اللّٰه - تعالى - دون أن يطلب من اللّٰه، ودون أن يسأل اللّٰه - تعالى - 2.
وقد ورد في دعاء الافتتاح: « فكم يا إلٰهي من كربة قد فرجتها، وهموم قد كشفتها، وعثرة قد أقلتها، ورحمة قد نشرتها، وحلقة بلاء قد فككتها» .
وورد في دعاء أيام رجب: « يا من يعطي من سأله، يا من يعطي من لم يسأله، ومن لم يعرفه تحنّناً منه ورحمة» .
وفي المناجاة الرّجبيّة: « ولكن عفوك قبل علمنا» .
إذن الفقر والحاجة من منازل رحمة اللّٰه - تعالى -، وحيث يكون الفقر وتكون الحاجة، تجد رحمته تعالى.
وللعارف الروميّ الشهير بيتٌ من الشعر في هذا الباب، أذكر ترجمته هذه:
لا تطلب الماء واطلب الظماء حتّى يتفجّر الماء من كلّ أطرافك وجوانبك.
وقد وردت الإشارة إلىٰ هذه العلاقة بين رحمة اللّٰه - تعالى - وحاجة عباده وفقرهم في مناجاة بليغة ومؤثرة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، نورد فيما يلي طرفاً منها:
مولاي يا مولاي أنت المولى، وأنا العبد، وهل يرحم العبد إلا المولى.
مولاي يا مولاي، أنت المالك، وأنا المملوك، وهل يرحم المملوك إلا المالك؟
مولاي يا مولاي، أنت العزيز، وأنا الذليل، وهل يرحم الذليل إلا العزيز؟
مولاي يا مولاي، أنت الخالق، وأنا المخلوق، وهل يرحم المخلوق إلا الخالق؟
مولاي يا مولاي، أنت القوي، وأنا الضعيف، وهل يرحم الضعيف إلا القوي؟
مولاي يا مولاي، أنت الغني، وأنا الفقير، وهل يرحم الفقير إلا الغني؟
مولاي يا مولاي، أنت المعطي، وأنا السائل، وهل يرحم السائل إلا المعطي؟
مولاي يا مولاي، أنت الحي، وأنا الميت، وهل يرحم الميت إلا الحي؟
الفقر الواعي والفقر المضلّل: